أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في منتدي عرب فور دون، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





وَاللهِ لَأُضْحِكَنَّكُمْ مِنْ ثَقِيْفٍ!

بسم الله الرحمن الرحيم وَاللهِ لَأُضْحِكَنَّكُمْ مِنْ ثَقِيْفٍ! وإنما جاء هذا الدين الإسلام الحنيف الخالد ليدك عروش ا ..



04-02-2022 02:03 صباحا
Ahmed Attia
المشرف العام
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 15-01-2022
رقم العضوية : 1
المشاركات : 91123
الجنس : ذكر
الدعوات : 8
قوة السمعة : 230
 offline 

بسم الله الرحمن الرحيم

وَاللهِ لَأُضْحِكَنَّكُمْ مِنْ ثَقِيْفٍ!


وإنما جاء هذا الدين الإسلام الحنيف الخالد ليدك عروش الكفر، وليحطم أصنامه، وليكسر أنصابه، ويهدم أزلامه، وما أشبه الليلة بالبارحة! وحين راحت قريش إلى عم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تشكوه، ولأنه كان ومن قولهم يسبّ آلهتنا، ويعيب دينهم، ويسفه أحلامهم، ويضلّل آباءهم.

وها هو التاريخ يعيد نفسه، وإذ نحن الآن بين يدي عمل مشرق من أعمال أولاء الأصحاب الغر الميامين الأمجاد، وحين ساروا على الدرب، ولم يغيروا منه من شيء، وحين أرسل نبينا وفدا وبإمارة خالد بن الوليد رضي الله تعالى وليهدموا الطاغية الربَّة اللات، آلهة ثقيف.

وأعالجه في ثلاث عشرة مسألة هي:
المسألة الأولى: حراسة الدين وعمارة الدنيا من أعمال الأمير الأمين:
وهذا قول المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه، يوم ذهب صحبة أبي سفيان بن حرب؛ لهدم الطاغية الرَّبَّةِ اللات، والتي كانت تعبدها ثقيف من دون الله تعالى. ويوم أن كان ذلك بأمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبرهان أن هذه من أعمال الأمير، وأن ذلك حق الرحمن، وواجب أولياء الديان، ولأنه تعالى هو الذي يجازي العباد على أعمالهم، وحيثما كان الناس على أمر ربهم قائمين، فثمت كان أجر ربهم؛ وجزاء على أعمالهم.

فعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أنه: يحشر الله العباد أو قال يحشر الله الناس قال وأومأ بيده إلى الشام عراة غرلا بهما قال قلت ما بهما قال ليس معهم شيء فينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وأحد من أهل النار يطالبه بمظلمة ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وأحد من أهل الجنة يطالبه بمظلمة قالوا: وكيف وإنا نأتي عراة غرلا بهما قال بالحسنات والسيئات[1].

المسألة الثانية: صِدِّيقُ حق ورِدُّ صِدْقٍ:

وهذا فعل المغيرة بن شعبة، ويوم أن وقف أبو سفيان بن حرب حارسا له، ومؤيدًا، ومعضدًا، ونصيرًا، ومرافقًا، ولما كان وكمثل أبي بكر الصديق، ذلكم الشيخ الوفي الأبي، وحين لم يترك نبيه ونبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم يومًا، ولما كان ذا الصديق ويكأنه أمامنا، ومن صدقه نلمحه، ومن بره نبصره، وحين كان ينظر طريقه يوم الهجرة، ومن يَمنة، ومن يَسرة، ومن أمامه، ومن خلفه صلى الله عليه وسلم! وإذ كان هذا أبو سفيان بن حرب أيضا بمثابة هارون لنبي الله تعالى موسى عليه السلام، وحين قال تعالى: ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ﴾ [طه:299-35]، وهكذا فِعل الحواريين، وكذلكم فِعل الأوفياء والصادقين والباذلين والمخلصين.

وهو تمرس على أصول الديانة، ولما كان من شأن أبي سفيان عجبًا، ولما رأيناه يوم حنين أيضًا!

وهكذا نفيد أهمية وزير الصدق، ورفيق العون، وصاحب الردء، وشد الأزر، وفي كل أمرنا، وهذا سنن وهدي نبينا، ولأنه كان من أمره صلى الله عليه وسلم وتوجيهه.

ولكن قول المغيرة هذا كان سخرية من حجر يعبده الناس، وإذ كانت الجهالة قد أعمت بصائرهم، وكما كانت قد أعمت أبصارهم من قبل، وحين صاروا ليسوا يميزون بين ليل من نهار، ولا يفرقون بين شر وخير، وجزاء إعراض قلوبهم، وبكم ألسنتهم، وصم آذانهم، وعمى أبصارهم، وكما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف:179]، والله المستعان.

ولكن قول المغيرة هذا ذو دلالة، وإعجاز، وتحد، وتوفيق، وإلهام، وحين أراد أن يبين لهم سفه عقول تعبد غير الباري، ولما بين لهم، وكيف أنها حجارة لا تدفع عن نفسها، وحتى يمكنها أن تدفع عن غيرها ضرًّا، أو أن تجلب لنفسها نفعًا، وحتى يتسنى لها أن تمنح منه ما سواها!

المسألة الثالثة: مرونة الاتصال وأثرها في القرار الإداري:
وهذا تبرير لفعله، وقبل تنفيذه، عملا إداريًّا ممتازًا، وحين يقدم الموظف تبريرًا لفعله، وكيما يمتص بوادر اعتراض، أو مواجهة، أو مجابهة محتملة! ولأن جانبًا عظيمًا هو قناعة متبادلة بين المرسل والمستقبل؛ لأداء العمل الإداري على أزكى عمل، وأقوم نفاذ، وأسمى تنفيذ، وأوجه صورة أيضًا.

المسألة الرابعة: رقابة المشروعية والملاءمة في القضاء الإداري الإسلامي:
والقرار الإداري الصائب، هو ذلكم القرار الذي يستصحب بين جنباته أمرين، وحين كان منسجما مع ركيزتين اثنتين هما:
الجانب الأول: المشروعية: وحين كان مستندًا إلى دليل قوي، لا وإنه من جانب الجهة الأعلى في الهرم الإداري وحسب، وإنما ولأنه قد اكتسب شرعيته مما يدين الناس، وإذ كان معروفًا معهودًا مثله، وليس بدعًا من أمرهم أيضًا.

الجانب الثاني: الملاءمة: وحين كان القرار الإداري متكئا على سلم المواءمة بين الظروف المواتية، والأحوال ووقائع الحال الملازمة.

وقرار إداري ليس مبتناه على ذينك الجانبين، يعتبر في حكم الإلغاء، وإذ يحمل عوامل صده ورده معًا، ولأنه ولهذين العوارين الذين أصاباه، ولأنه ولهذين البوارين الذين آلماه، وربما أفضى إلى فوضى، وبينما كان من أولى خصائصه علاج موقف، وضبط خلل، واجتهما الجهة الإدارية في منشأتها.

وهذا جانب مضيء في تاريخ هذا الدين، وحين أخذ الناس لا من شدة، أو ألزمهم من عنت، وإنما ليثبت أقدامهم على الطريق، فيرون بأمهات عيونهم ما ضرت الطاغية الربَّة اللات أحدًا من شيء، وما نفعت الطاغية الربَّة اللات أحدًا من شيء أيضًا.

المسألة الخامسة: بين طُرْفَةِ ولِيٍّ وتَسْفِيهِ صَنَمٍ:
ولكن قول المغيرة السالف هذا كان محض طرفة، وكما أنه معلن غاية استهزاء بالكفر، وعيب الآلهة المدعاة، وتسفيه أحلام عابديها، وليروا بأنفسهم ما الله تعالى بفاعل بها، وحين تنقض حجرًا حجرًا، وها هي حجارة، وحسبها ذلك!

وهذه طرفةُ داعيةٍ، وحين يمتثل طرفته، وممزوجة بصدق الحديث، وممهورة بعذب الكلام، وعزم الدعوة الصادقة، وجد المواجهة، والقائمة على تسفيه ما هكذا يعبد من دونه تعالى؛ ولتوهينه في أعين عابديها وقلوبهم معا، ومنه لينهار هذا الزخم السراب لهذه الآلهة المدعاة. وكما أنه حامل لواء العزة والكرامة والإباء أيضًا، ولهكذا داعية حق مخلص متجرد حليم أواه منيب.

ولكن المغيرة، وحين ضربها ضربة، ورجع القهقري، امتثالًا لوضع قد رآه حسنًا، وحين أصيب الناس بالذعر أول مرة، ولما يرجع ويقذفها حجرًا حجرًا، ومن أمامهم، وليروا من أنفسهم كيف كانوا هم الجاهلين الجاهليين، ولما عكفوا على هكذا حجر، لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، وحتى يمكن أن يصدقوا أنه يمكنه دفع عن غيره من ضر، أو جلب لسواه من نفع، وها هو ينقض حجرًا حجرًا، وليسجل التاريخ أن قوما كانت هذه عقائدهم، وإذ يحسبون أنهم كانوا على شيء، وإذ ليسوا هم وما يعبدون من شيء! ألا إنهم هم الكاذبون، وليسجل التاريخ أيضًا أن هكذا جاء هذا الدين، مخلصًا للناس مِن ربق عبودية مقيتة، وحين كانت هكذا تتلقف الناس ناهشة لعقولهم، ماصة لدمائهم، وسالبة لكرامتهم، ودكًّا لهيبتهم، وحين كانوا يعبدون حجرًا، ليس ينفع شيئًا، وكما أنه لا يضر شيئًا أيضًا، وهذا الذي أهلهم أن يكونوا عبادًا للعباد أيضًا، ولما كانت هذه عقولهم مغيبة، وحين كانت أفئدتهم مشمعة بشمع لا أبيض بل أسود! ليزداد هول التخييم، وليعم رين الاستعباد لغير رب الأرباب، وخالق العباد سبحانه!






المسألة السادسة: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [إبراهيم:4]:
ولكن المغيرة هذا هو أبو عبد الله المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي!

ويكأننا أمام سفير للقوم، ومن لسان القوم، وقد مر بنا في هذه السيرة النبوية المباركة كثير من هذا، وحين كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يكلف سفيرا للقوم، ومن جنس القوم! وهذا براعة إدارية، وهذه حكمة نبوية؛ ولأنه ولاشك كان أيسر وأقرب إلى التفاهم، وأدنى للخروج بحلول إيجابية، وهو الأصل الذي من أجله كان بعث الرسل، وإيفاد السفراء.

وأن نعم، وإذ لسنا حديثي عهد بغزوة بني قريظة، وحين شرفت النفس إيناسًا بها في العام الخامس من هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وحين حكم فيهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ابنًا من أبنائهم، هو هذا سعد بن معاذ رضي الله تعالى، وحين قال لهم: ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا: بلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذاك إلى سعد بن معاذ[2]، وحتى به اطمأنوا، ومن قوله استكانوا.

ونحن قريبو عهد، وما زال حبره لم يجف بعد، وحين جعل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مالك بن عوف النصري أميرًا على قومه ثقيف أيضًا، ولما جاء مسلمًا.

ونحن أيضًا قريبو عهد بهذا الصحابي عثمان بن أبي العاص، وحين طلب أن يكون أميرًا على قومه ثقيف، وحين أسلموا، ومن بعد صلح مر بنا ذكره، ومن بعد شرط سبق بيانه وشأنه، ويوم أن كان أصغرهم سنًّا، وعلى ما ذكر في ذلك، ويوم أن قد بلغ من العمر سبعًا وعشرين عامًا!

فعن عثمان بن أبي العاص، قال: يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال: أنت إمامهم واقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على آذانه أجرًا[3].

ومنه قول تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [إبراهيم:4]، وكذا قوله تعالى: ﴿ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ﴾ [المائدة: 12].

المسألة السابعة: نتائج تحطيم الطاغية الربَّة اللات:
ولكن الناس قد آمنوا، ومن بعد ما رأوا الآيات، وهذه إنما تشهد لهم، ومن بعد فعل الآيات أيضًا، ولأنها هذه القوة الدافعة للقلوب، وحين تهزها هزا، ولما أضحت ترجها رجًّا؛ لتخرج أعمال الشياطين، ووساوس إبليس اللعين، ولأن قناعة قد تمخض عنها إلف القرار الإداري النبوي مشروعيةً، ومدى انسجامه مع هذه المشروعية، وحين كان ملائمًا أيضًا، ومن بعد تمهيد، ومن إثر فعل هكذا، كان عملًا حسنًا، قام بهما هذا المغيرة بن شعبة، رضي الله تعالى عنه، عملًا إداريًّا ممتازًا، نسجله له، وقدوة عظمى، وسيرة فضلى.

وهكذا فلسنا نسرد تاريخًا، وبقدر ما نتفهم من وراء الحدث دلالات وعبرًا وعظات نافعات أيضًا.

المسألة الثامنة: إنما الربَّة حجر:
ويكأننا لسنا ننسى أيضًا، ويوم أن عزم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على هدم الطاغية الربَّة اللات، وحين خافوا، وأعلنوا أنها ستقتل أهلها! وليحضر الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى وزئيره معه، وزاجرًا القوم، ولسفه كان قد عشش في رؤوسهم، وقر واستقر في أدمغتهم، وبل قد ران على قلوبهم، ورين كان قد اكتست به أفئدتهم أيضًا، وحين قال لهم الفاروق عمر: ويحك يا بن عبد ياليل ما أجهلك، إنما الربَّة حجر! وحين قالوا له: إنا لم نأتك يا بن الخطاب! ثم قالوا: يا رسول الله، تولَّ أنت هدمها، أما نحن فإنا لن نهدمها أبدًا[4].

ولكننا لسنا ننسى يومًا كان يعبد فيه هذا الفاروق ربا غير خالقه، وإذ كان يتنسك لدرجة هي مساوية لفعل ثقيف هذا، ولكنها هذه القلوب، وحين تتشوف الهدى فتتبعه، ولكنها هذه الأبصار، وحين تستبصر الرشد، فتسلكه سبيله، ولا تضله طريقه، ومن ثم ها هي تعلو من صلاح، وإذ ها هي تسمق من فلاح.

المسألة التاسعة: إفطار الصائم بعد تحقق الغروب:
ولكنهم الناس أيضًا، وحين أسلموا فصاموا بقية رمضان مع نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وإذ رأوا وكيف كان صلى الله تعالي عليه وآله وسلم، يعجل فطوره، وقبل أن يغيب قرص الشمس كله، وعلى حد قولهم: وإنا لنقول: ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد، وإذ كان من مثله السحور تأخيرًا أيضًا، وعلى حد قولهم أيضًا: إنا لنرى الفجر قد طلع[5].

هذا، وإن قولهم هذا محمول على الكناية عن التعجيل، وهذا أظهر، والله أعلم، أو لعله سهوًا، أو لعله لعدم الضبط كثيرًا، وها هم حديثو عهد بهذا الدين الحنيف الخالد، وإلا فإن الإفطار ليوم رمضان، أو غير رمضان، وإنما يكون بعد تحقق الغروب.

فعن عبدالله بن أبي أوفى: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهو صائم، فلما غربت الشمس قال لبعض القوم: يا فلان، قم فاجدَح لنا، فقال: يا رسول الله، لو أمسيت، قال: انزل فاجدح لنا، قال: يا رسول الله، فلو أمسيت، قال: انزل فاجدح لنا، قال: إن عليك نهارًا، قال: انزل فاجدح لنا، فنزل فجدح لهم، فشرب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إذا رأيتم الليل قد أقبل من ها هنا، فقد أفطر الصائم[6].

وشاهده قوله: فلما غربت الشمس، برهان الإفطار عن صيام بعد تحقق غروب الشمس.

وعن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم[7].

وقال الإمام البخاري رحمه الله: باب متي يحل فطر الصائم، وأفطر أبو سعيد الخدري حين غاب قرص الشمس[8].

وإلا أن هذا مصداق لحديث رواه سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر[9].

المسألة العاشرة: البيئة الملائمة: المفاوضات من أعمال المسجد:
وغير أننا لا ننسى أن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم كان قد استقبل وفد ثقيف في المسجد؛ ليكون أهدأَ لهم، وآمن، وأوقع أثرًا في قلوبهم، ولأن المسجد من شأنه هذه المهابة، والسكينة، والطمأنينة، والخشوع، والخضوع، والإخبات، والقنوت؛ وكفى أنها هذه البيوت المضافة إلى الله تعالى.

ولعل هذا مما يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه، غير أن حديث أبي أسامة ليس فيه ذكر التيسير على المعسر[10].

ويكأننا نلمح فقه داعية الحق، أن يختار المكان الهادئ المظلل الآمن، ولا سيما بيوت الله الخير، الخيرة، النافعة، الهادئة، وليكون قد أظل الناس من ظلاله الوارفة، فيستجمعون من قوى الخير ودوافعه ما يحملهم عن رضا، وليس يأطرهم عن سخط!

المسألة الحادية عشرة: تأهيل متوازن لإعادة الثقة في المدعو:
وإلا أننا لسنا ننسى أيضًا حرصه صلى الله عليه وسلم على تعليم الناس أمور دينهم، وقبل انصرافهم إلى قومهم، فليسوا يعودون وإلا بوجوه غير التي جاؤوا بها.

ولأن هذا الدين ذو جباه عالية، صافية، منيرة، مضيئة، وقورة، مهابة، سفرة، كرام، بررة، ولعل هذا أيضًا من فأل تراه قادمًا، وعن قريب تلفاه، منيرًا مضيئًا، آخذًا باللب والفؤاد معًا، ومن قوله تعالى الله الرحمن الرحيم سبحانه: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾ [عبس:38و39].

ولأن رجوعهم بذات وجوههم التي جاؤوا بها، أو كان حمالًا لغبش بين إيمان تلحفوه، ومما كانوا منه من شين، وقد أنكروه، ولربما كان داعية فتنتهم، ولما لم يستقر الإيمان من قلوبهم، ولما لم يعمل يقينهم فيهم من عمله، ويكأنه ليس بعد قد آتى أكله، ومن إزالة للشبهات، ومن دفع للشهوات.

ولكن هذا هدي للدعاة العاملين، وأن يحرصوا على بلاغ أمر ربهم، وتذكير إخوانهم، وبحكمة نبيهم، ومن سنن رسولهم صلى الله عليه وسلم.

المسألة الثانية عشرة: الحزب القرآني زاد على الطريق:
ولكنه صلى الله عليه وسلم كانوا قد استأخروه عنهم يومًا، وحين سألوه أخبرهم أن حزبه القرآني قد كان سببًا في انشغاله عنهم، وهذا بيان نبوي، وهذا شأنه القرآني، وحين كان له ورده صلى الله عليه وسلم من القرآن الحكيم يوميًّا، وسننًا لنا متبعًا، وهديًا حسنًا.

ولكن قراءة هذا الذكر الحميد، ولكن تلاوة هذا الكتاب المجيد، وإنما له عطاؤه، وإمداده، وحين كان زادا لأمة راشدة، وحين كان هذا الكتاب حاديها، ومنهجها، وسبيلها، وإمامها، ومُرَبِّيها ومُرْبِيها.

ولكن قرآنًا يكتب له قارئه، وبكل حرف عشر حسنات، لقمن أن يتلوه عبد منيب أبدًا، وإذ ليس يفارقه أبدًا أيضًا، ولأنه تعالى قد أثنى وأطرى قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر، ولما كان من صفتهم، ونعتهم، ومناقبهم أن ﴿ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ﴾ [فاطر:29]، وقال تعالى أيضًا: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران:113-115].

ولكنه سبق إداري، وحين برر ما استأخروه، وبما يزيل لبسا عند المستقبل، فيظل وجهه مشرقًا راضيًا، ومن فعل رئيسه في العمل!

وسياسة التبرير الواقعي مستأهلة مأمونة، وتكهنات التبرير الخيالي الخالي المعرى عن صدق وبرهان ودليل مهملة مخلاة متروكة.

المسألة الثالثة عشرة: حزب أم جزء، علاقة تآلف وانسجام:
ولكن الناس قد قالوا قولهم في المقصود بالجزء، وعما إذا كان قد ورد الحزب من محله، وإذ ليس هذا يخرجنا عن تعلق بالكتاب قراءة، وتلاوة، وتدبرًا، ولأنه كلية علمنا، وجامعة قلوبنا، وأفئدتنا، وطهارة أفواهنا، وصدق ألسنتنا، ومنه كان أمرنا، ونهينا، واعتبارنا، وقيمتنا، وسبيلنا، ومنهجنا، وعملنا، وتركنا، وإقبالنا، وإبقاؤنا، وذكرنا، وشرفنا، وهادينا، وحادينا، وملهمنا، ومَعِيننا، ومُعِيننا، ورشدنا، وصلاحنا، وفلاحنا، ونجاحنا، وسائر أمرنا؛ ولأن هذا هو مطلق التصديق، والإخبات، والمتابعة، والرضا بالله تعالى ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا.

ودلك على صحة مذهبنا هذا ما رواه الإمام أبوداود رحمه الله تعالى عن عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ جَدِّهِ - قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ فِي حَدِيثِهِ: أَوْسُ بْنُ حُذَيْفَةَ - قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ، قَالَ: فَنَزَلَتِ الْأَحْلَافُ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَأَنْزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي مَالِكٍ فِي قُبَّةٍ لَهُ - قَالَ مُسَدَّدٌ: وَكَانَ فِي الْوَفْدِ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثَقِيفٍ - قَالَ: كَانَ كُلَّ لَيْلَةٍ يَأْتِينَا بَعْدَ الْعِشَاءِ يُحَدِّثُنَا، - وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَائِمًا عَلَى رِجْلَيْهِ حَتَّى يُرَاوِحُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ - وَأَكْثَرُ مَا يُحَدِّثُنَا مَا لَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «لَا سَوَاءَ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ مُسْتَذَلِّينَ»، - قَالَ مُسَدَّدٌ بِمَكَّةَ -، فَلَمَّا خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ كَانَتْ سِجَالُ الْحَرْبِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، نُدَالُ عَلَيْهِمْ وَيُدَالُونَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةً أَبْطَأَ عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يَأْتِينَا فِيهِ، فَقُلْنَا: لَقَدْ أَبْطَأْتَ عَنَّا اللَّيْلَةَ، قَالَ: «إِنَّهُ طَرَأَ عَلَيَّ جُزْئِي مِنَ الْقُرْآنِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَجِيءَ حَتَّى أُتِمَّهُ»، قَالَ أَوْسٌ: سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ، قَالُوا: ثَلَاثٌ، وَخَمْسٌ، وَسَبْعٌ، وَتِسْعٌ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ وَحْدَهُ[11].
المصدر / الالوكه





























































الكلمات الدلالية
لا يوجد كلمات دلالية ..


 








الساعة الآن 06:12 صباحا