التهيؤ للعبادة
إن الحمد لله..
فاتقوا الله عباد الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}[1]، من محاسن هذه الشريعة الربانية قبل الدخول في أي عبادة: التدرج فيها والتهيؤ لها، و ذلك أنَّ الله - سبحانه وتعالى - حين شرع الشرائع للبشر، راعى سُنَّة التدرج فيهم، فجاءت أوامره ونواهيه متدرِّجة؛ لِيُوافِق الأمرُ الشرعي تكوينَهم الخَلْقِي، فلا يكون بينهما تنافر ولا تعارض، وهذه حكمة الحكيم العليم، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}[2]، وحتى يبلغ العبدُ حسن العبادة فإنّه يبدأ متدرجاً متهيئاً لها. ومن ذلك ما جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقْد آذَنْتهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ»[3].
أيها الإخوة:
إن أول ما يتجهز به العبد لفعل الخير: الإخلاص لله؛ كما قال سبحانه: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}[4]، وقد أمرنا سبحانه بالإخلاص في الأعمال؛ فــــــــ{لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}([5])، وحذرنا من الشرك، وإرادة الدنيا، وإرادة المخلوقين كما في الحديث القدسي: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[6]، وكذلك من الاستعداد لفعل الخير: صدق العزيمة، وقد قال جل وعلا في صدق العزم: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}[7]، عزموا الأمر، استعدوا له، عزموا الأمر، تأهبوا لأجله، عزموا الأمر، أوفوا بما عاهدوا الله عليه. ولقد كتب الله تعالى نوايا الصادقين الأتقياء وإن أدركهم الموت قبل العمل: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[8]، ولا بُدَّ أن يصحب الإخلاصَ والصدق: التوبةُ النصوح وكثرةُ الاستغفار: جاء رجل إلى الحسن البصري - رحمه الله - وقال له يا أبا سعيد: أجهز طهوري وأستعد لقيام الليل ولكني لا أقوم، ما سبب ذلك؟ فقال له الحسن: قيدتك ذنوبك[9].
ثم بعد ذلك عدم الانشغال بأمور الدنيا وخاصة المشاحنات والخلافات مع الآخرين التي تصرف المؤمن عن العبادة وترهقه من غير فائدة فتمضي أوقات العبادة وهو لم يستفد ولم يخرج منها بشيء، وكذلك يتنفل من العبادة بما يناسب فرضها، ولعلّ هذه من الحكمة في أنّ شَعْبَانَ تُعْرَضُ فيه الأعمال عَلَى اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَعْمَالُ الْعَبْدِ خَلَالَ الْعَامِ، قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: يَا رَسُولَ اللهِ: لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ ( «قَالَ ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفَلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، عَزَّ وَجَلَّ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» )[10]، وهذا غير العرض الأسبوعي الذي قَالَ فيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْاِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا»[11] (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
ولعلنا نأخذ من هذا أيضاً أنّ على ربّات الأسر والبيوت وأربابها أن يجعلوا الاستعداد للأعياد والمواسم وما يلحق بها قبل المواسم الفاضلة. حتى لا تضيع عليهم الأوقات الفاضلة وهم في أبغض الأماكن إلى الله وهي الأسواق، قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا»[12] (رواه مسلم). ومن التهيؤ للعبادة: خطوة عملية مهمة جداً وهي: دعاءُ الله تعالى: ألم تر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ»[13]، فتفكر في كلمة: والعزيمة على الرشد.. أسألك العزيمة على الرشد، حتى أكون صادقًا مخلصاً عندما يأتي وقت العمل ويحين موسم البذل والطاعة، وحتى لا أكونُ مثل المنافقين، الذين قال الله عنهم: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً}[14][15].
ومن التهيئة الذهنية الانْكبابُ قُبيل دخول الشهر على قراءة فضائل رمضان وصيامه وقيامه، وفضائل قراءة القرآن، وفضائل الليالي العشر الأخيرة، وفضائل ليلة القدر، وتدبُّرُ ما ورد في ذلك كلِّه من الآيات والأحاديث، ومعرفة ما فيها من الفقه والعلم؛ فإنَّ معرفة فضْل ذلك تحفِّز النفْس على تحصيله، وعدم إضاعة شيء منه.
ومن التهيئة الجسَدية لاسْتثمار رمضان ترويضُ النَّفْس قبل دخول رمضان على التَّبْكير إلى المسجد، والمُكْث فيه طويلاً قبل الصلاة وبعدها، والمحافظة على نوافل العبادات، والإكثار من الذِّكر وقراءة القرآن، وكثرة الصوم في شعبان؛ حتَّى لا يدخل رمضان إلاَّ وقد روَّض نفْسه على الجِدِّ في الطاعات، والمنافسة في اكتساب الحسنات([16]).
فاتقوا الله.. عباد الله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[17]، أيها الأحبة: يَغْفِرُ اللهُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لِكُلِّ عِبَادِهِ إِلَّا المُشْرِكَ وَالْمـُشَاحِنَ، فَتَفَقَّدْ نَفْسَكَ يَا عَبْدَ اللهِ، وَفَتِّشْ بَاطِنِهَا، واحذر أَنْ تَكُونَ مُبْتَلًى بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الشِّرْكِيَّاتِ المُنْتَشِرَةِ فِي الأُمَّةِ، وَلَا تغتر بنفسك، فَإِذَا كَاَن أَبُو الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَإِمَامُ الحُنَفَاءِ، وخَلِيلُ الرَّحْمَنِ، يَسْأَلُ رَبَّهُ أَنْ يُجْنِبَهُ و بَنِيهِ عِبَادَةَ الأْصَنْامِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى حَاكِياً عَنْهُ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}[18].
قَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِي-رَحِمَهُ الله -: مَنْ يَأْمَنِ البَلَاءَ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ؟فَلَا يَأْمَنُ الوُقُوعَ فِي الشِّرْكِ إِلَّا مَنْ هُوَ جَاهِلٌ بِهِ، وَبِمَا يُخْلِصْهُ مِنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ فَسُئِلَ عَنْهُ؟ فَقَالَ: الرِّيَاءُ»[19] (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ).
كَذَلِكَ الْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ شِرْكِ الْمَحَبَّةِ، وَالَّذِي يَقَعُ فِيهِ بَعْضُ النَّاشِئَةِ، مِمَّنْ فُتِنُوا بِالتَّعَصُّبِ الرِّيَاضِيِّ حَتَّى قَدَّمُوا مَحْبُوبَ أَنْدَيَتِهِمْ عَلَى مَحْبُوبِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلّ، فَهَذَا أَمْرٌ خَطِيرٌ.
كَذَلِكَ الْحَذَرُ مِنَ الْفِتْنَةِ فِي الدُّنْيَا فَفِي الْحَدِيثِ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ»[20] (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَابِدًا للدُّنْيَا؛ لأَنَّهُ مَفْتُونٌ بِهَا. الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا مِمنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...[21].
فاتقوا الله عباد الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}[1]، من محاسن هذه الشريعة الربانية قبل الدخول في أي عبادة: التدرج فيها والتهيؤ لها، و ذلك أنَّ الله - سبحانه وتعالى - حين شرع الشرائع للبشر، راعى سُنَّة التدرج فيهم، فجاءت أوامره ونواهيه متدرِّجة؛ لِيُوافِق الأمرُ الشرعي تكوينَهم الخَلْقِي، فلا يكون بينهما تنافر ولا تعارض، وهذه حكمة الحكيم العليم، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}[2]، وحتى يبلغ العبدُ حسن العبادة فإنّه يبدأ متدرجاً متهيئاً لها. ومن ذلك ما جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقْد آذَنْتهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ»[3].
أيها الإخوة:
إن أول ما يتجهز به العبد لفعل الخير: الإخلاص لله؛ كما قال سبحانه: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}[4]، وقد أمرنا سبحانه بالإخلاص في الأعمال؛ فــــــــ{لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}([5])، وحذرنا من الشرك، وإرادة الدنيا، وإرادة المخلوقين كما في الحديث القدسي: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[6]، وكذلك من الاستعداد لفعل الخير: صدق العزيمة، وقد قال جل وعلا في صدق العزم: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}[7]، عزموا الأمر، استعدوا له، عزموا الأمر، تأهبوا لأجله، عزموا الأمر، أوفوا بما عاهدوا الله عليه. ولقد كتب الله تعالى نوايا الصادقين الأتقياء وإن أدركهم الموت قبل العمل: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[8]، ولا بُدَّ أن يصحب الإخلاصَ والصدق: التوبةُ النصوح وكثرةُ الاستغفار: جاء رجل إلى الحسن البصري - رحمه الله - وقال له يا أبا سعيد: أجهز طهوري وأستعد لقيام الليل ولكني لا أقوم، ما سبب ذلك؟ فقال له الحسن: قيدتك ذنوبك[9].
ثم بعد ذلك عدم الانشغال بأمور الدنيا وخاصة المشاحنات والخلافات مع الآخرين التي تصرف المؤمن عن العبادة وترهقه من غير فائدة فتمضي أوقات العبادة وهو لم يستفد ولم يخرج منها بشيء، وكذلك يتنفل من العبادة بما يناسب فرضها، ولعلّ هذه من الحكمة في أنّ شَعْبَانَ تُعْرَضُ فيه الأعمال عَلَى اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَعْمَالُ الْعَبْدِ خَلَالَ الْعَامِ، قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: يَا رَسُولَ اللهِ: لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ ( «قَالَ ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفَلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، عَزَّ وَجَلَّ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» )[10]، وهذا غير العرض الأسبوعي الذي قَالَ فيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْاِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا»[11] (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
ولعلنا نأخذ من هذا أيضاً أنّ على ربّات الأسر والبيوت وأربابها أن يجعلوا الاستعداد للأعياد والمواسم وما يلحق بها قبل المواسم الفاضلة. حتى لا تضيع عليهم الأوقات الفاضلة وهم في أبغض الأماكن إلى الله وهي الأسواق، قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا»[12] (رواه مسلم). ومن التهيؤ للعبادة: خطوة عملية مهمة جداً وهي: دعاءُ الله تعالى: ألم تر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ»[13]، فتفكر في كلمة: والعزيمة على الرشد.. أسألك العزيمة على الرشد، حتى أكون صادقًا مخلصاً عندما يأتي وقت العمل ويحين موسم البذل والطاعة، وحتى لا أكونُ مثل المنافقين، الذين قال الله عنهم: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً}[14][15].
ومن التهيئة الذهنية الانْكبابُ قُبيل دخول الشهر على قراءة فضائل رمضان وصيامه وقيامه، وفضائل قراءة القرآن، وفضائل الليالي العشر الأخيرة، وفضائل ليلة القدر، وتدبُّرُ ما ورد في ذلك كلِّه من الآيات والأحاديث، ومعرفة ما فيها من الفقه والعلم؛ فإنَّ معرفة فضْل ذلك تحفِّز النفْس على تحصيله، وعدم إضاعة شيء منه.
ومن التهيئة الجسَدية لاسْتثمار رمضان ترويضُ النَّفْس قبل دخول رمضان على التَّبْكير إلى المسجد، والمُكْث فيه طويلاً قبل الصلاة وبعدها، والمحافظة على نوافل العبادات، والإكثار من الذِّكر وقراءة القرآن، وكثرة الصوم في شعبان؛ حتَّى لا يدخل رمضان إلاَّ وقد روَّض نفْسه على الجِدِّ في الطاعات، والمنافسة في اكتساب الحسنات([16]).
فاتقوا الله.. عباد الله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[17]، أيها الأحبة: يَغْفِرُ اللهُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لِكُلِّ عِبَادِهِ إِلَّا المُشْرِكَ وَالْمـُشَاحِنَ، فَتَفَقَّدْ نَفْسَكَ يَا عَبْدَ اللهِ، وَفَتِّشْ بَاطِنِهَا، واحذر أَنْ تَكُونَ مُبْتَلًى بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الشِّرْكِيَّاتِ المُنْتَشِرَةِ فِي الأُمَّةِ، وَلَا تغتر بنفسك، فَإِذَا كَاَن أَبُو الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَإِمَامُ الحُنَفَاءِ، وخَلِيلُ الرَّحْمَنِ، يَسْأَلُ رَبَّهُ أَنْ يُجْنِبَهُ و بَنِيهِ عِبَادَةَ الأْصَنْامِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى حَاكِياً عَنْهُ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}[18].
قَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِي-رَحِمَهُ الله -: مَنْ يَأْمَنِ البَلَاءَ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ؟فَلَا يَأْمَنُ الوُقُوعَ فِي الشِّرْكِ إِلَّا مَنْ هُوَ جَاهِلٌ بِهِ، وَبِمَا يُخْلِصْهُ مِنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ فَسُئِلَ عَنْهُ؟ فَقَالَ: الرِّيَاءُ»[19] (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ).
كَذَلِكَ الْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ شِرْكِ الْمَحَبَّةِ، وَالَّذِي يَقَعُ فِيهِ بَعْضُ النَّاشِئَةِ، مِمَّنْ فُتِنُوا بِالتَّعَصُّبِ الرِّيَاضِيِّ حَتَّى قَدَّمُوا مَحْبُوبَ أَنْدَيَتِهِمْ عَلَى مَحْبُوبِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلّ، فَهَذَا أَمْرٌ خَطِيرٌ.
كَذَلِكَ الْحَذَرُ مِنَ الْفِتْنَةِ فِي الدُّنْيَا فَفِي الْحَدِيثِ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ»[20] (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَابِدًا للدُّنْيَا؛ لأَنَّهُ مَفْتُونٌ بِهَا. الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا مِمنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...[21].