منتدي عرب فور دون
(نسخة قابلة للطباعة من الموضوع)
https://forum.arab4down.com/index.php?page=topic&show=1&id=3
أنقر هنا لمشاهدة الموضوع بهيئته الأصلية

الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة
Ahmed Attia 15-01-2022 02:19 صباحا
بسم الله الرحمن الرحيم
الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة


عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَبَلَغَ ذَلكَ رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ: «أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ؟»، فَقَالَ: لاَ، فَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟»، فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِاللهِ الْعَدَوِيُّ بِثَمَانِمَائَة دِرْهَمٍ، فَجَاءَ بِهَا رَسُولَ اللّهِ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهكَذَا وَهكَذَا»، يَقُولُ: فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ.

وفي رواية لمسلم: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو مَذْكُورٍ أَعْتَقَ غُلاَمًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، يُقَالُ لَهُ: يَعْقُوبُ؛ الحديث.


شرح ألفاظ الحديث:
((أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ)): العتق: هو تخليص الرقبة من الرق إلى الحرية.

((أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ)): رجل من بني عذرة: جاء في رواية مسلم الأخرى ما يبيَّن أن هذا السيد من الأنصار ويقال له: أبو مذكور، وأن اسم العبد يعقوب وفي أصل الحديث بيان اسم المشتري وهو نعيم بن عبدالله العدوي وهو المقصود بابن النَّحَّام في رواية أخرى لمسلم في آخر كتاب الأيمان والنذور، واختار النووي النحام بدون لفظة (ابن)، وبيَّن أنه سُمِّي بذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دخلت الجنة فسمعت فيها نحمة لنعيم"، والنحمة الصوت، وقيل: النحنحة؛ [انظر شرح النووي لمسلم 11/ 145، كتاب الأيمان والنذور ـ باب جواز بيع المدُبر].



((عَنْ دُبُرٍ)): معنى أعتقه عن دبرٍ؛ أي: دبَّره، يقول له سيده: أنت حر بعد موتي، فهذا العبد سُمي حال حياة السيِّد مُدَبَّر، وسُمِّي هذا تدبيرًا؛ لأن الرقيق يحصل له العتق بإدبار حياة سيده، وقيل: سُمي بذلك؛ لأن سيِّده دبَّر أمر دنياه وآخرته لصالحه، أما دنياه فباستمرار انتفاعه بخدمة عبده، وأما آخرته فبتحصيل ثواب العتق؛ [ انظر: شرح النووي لمسلم المرجع السابق، وانظر فتح الباري لابن حجر 4/ 531 كتاب البيوع ـ باب بيع المدبر ].



من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى:في الحديث بيانُ ترتيب الأولى بالنفقة، فيبدأ بنفسه ثم أهله ثم قرابته، ثم ما سوى ذلك من الناس، وأبواب النفقات وتقدم في الباب السابق بيان أفضلية تقديم الأهل والأقارب ومن تحت يده على غيرهم في النفقات.


الفائدة الثانية:في الحديث دلالة على أن الأفضل في صدقة التطوع أن ينوِّعها في جهات الخير ووجوه البر، بحسب ما تقتضيه المصلحة؛ لأن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال في حديث الباب: ((فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهكَذَا وَهكَذَا))،ووصف الراوي تعدُّد الجهات.


الفائدة الثالثة: استدل بحديث الباب مَن منَع التصدق بجميع المال، ووجه ذلك أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال للذي أعتق: "«أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ؟»، فقال: لا، "فباعه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأعطاه ثمنه، ثم بيَّن له ما الأفضل فيه، وقيل: إن حديث الباب يُحمَل على مَن لضم يترك نفقة لأهله، فهو بهذا ترك واجبًا، وفعل مستحبًّا، ولذا أعطاه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - المال بعد البيع، وأخبره ما الأفضل فيه.



واختلف أهل العلم في حُكم التصدق بجميع المال:
أولًا: باتفاق الأئمة الأربعة أنه لا يجوز أن يتصدق بجميع ماله، ويترك من تجب عليهم النفقة كأهله ومن يمونه؛ لأن نفقتهم واجبة عليه، فلا يقدِّم النفل على الفرض، وأيضًا لقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما تقدم في الباب السابق: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ"، ولغيره من الأدلة الدالة على وجوب النفقة، وإثم تضييعه لهذا الواجب.


ثانيًا:ما زاد على نفقة مَن تجب عليه نفقتهم، فجمهور العلماء أن إمساك ما تحتاج إليه من المال أولى من إخراج ماله كله في الصدقة إلا بشرطين:
1- أن يكون ذا مكسب في المستقبل يرجوه.


2- أن يكون واثقًا من نفسه يُحسن التوكل والصبر على الفقر والتعفف عن المسألة، فإذا توفَّر الشرطان:
قيل: باستحباب الصدقة بجميع المال، وهذا هو القول المصحح عند الشافعية، وظاهر كلام الموفق في المغني.


وقيل: بجواز ذلك، وهو المفهوم من مذهب المالكية والشافعية؛ [انظر الخلاف السابق في الموسوعة الفقهية 26/339].


تبيَّن مما تقدم أن من أراد أن يتصدق بجميع ماله الزائد عن نفقة من تجب عليه نفقته، لا يمنع بشرطين تقدم ذكرها، واختاره شيخنا ابن عثيمين؛ [انظر الممتع 6/ 273]، واختاره الشيخ ابن جبرين [انظر فتوى رقم (5852)].



ويدل على ذلك:
1- ثناء الله عز وجل على الأنصار بإيثارهم؛ حيث قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [ الحشر: 9 ], وظاهر هذه الأدلة أنهم لم يتركوا شيئًا لأهاليهم، والجواب عن ذلك أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - والأنصار - رضي الله عنهم- في الآية تحقق فيهم الشرطان السابقان، فعندهم من التوكل والصبر الشيء العظيم، وأيضًا كانوا يؤمنون نفقتهم في المستقبل حيث كانوا يشتغلون فيبيعون ويشترون، وأما الأنصاري فالضيافة عليه واجبة [ انظر: الممتع 6/ 272].


2- حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في قصة تصدق أبي بكر بجميع ماله وقال حينما سأله النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما تركت لأهلك؟ فقال: تركت لهم الله ورسوله"، والحديث رواه أبو داود (1678)، والترمذي (3675)، وقال: حديث حسن صحيح.


3-حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -في قصة الرجل الأنصاري الذي أخذ ضيف النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لبيته حينما قال: ((من يُضيف هذا))، فأخذه الأنصاري وليس عنده من الطعام إلا طعامه ولأهله وصبيانه، فنوَّمت امرأته صبيانها وأكل الضيف ولم يأكلا، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد ذلك: ((إن الله عجب من صنيعكما بضيفكما البارحة))، والحديث رواه البخاري (3798)، ومسلم (2054).


4- حديث كعب بن مالك - رضي الله عنه - في قصة الثلاثة الذين خلِّفوا؛ قال كعب - رضي الله عنه - قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله ورسوله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمسك عليك بعض مالك فهو خيرٌ لك"؛ رواه البخاري (2552)، ومسلم (4973).


قال الشوكاني - رحمه الله -: "إن التصدق بجميع المال يختلف باختلاف الأحوال، فمن كان قويًّا على ذلك يعلم من نفسه الصبر لم يُمنع، وعليه يتنزل فعل أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -وإيثار الأنصار على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن لم يكن كذلك فلا، وعليه يتنزل: (لا صدقة إلا عن ظهر غنى)، وفي لفظ: "أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى"؛ [انظر: نيل الأوطار للشوكاني 8/ 288].

الفائدة الثالثة: استدل بحديث الباب من يقول بجواز بيع المدُبر، ووجه ذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم - باع العبد مع أنه مُدبَّر، واشتراه نعيم بن عبدالله بثمانمائة درهم، وسيأتي الكلام على هذه المسألة في بابها

المصدر / الالوكه





....الموضوع الأصلي


























































منتدي عرب فور دون

Powered by PBBoard ©Version 3.0.3