أخي: هل خلوت بنفسك يوماً فحاسبتها عما بدر منها من الأقوال والأفعال؟ وهل حاولت يوماً أن تعد سيئاتك وزلاتك ومعاصيك كما تعد حسناتك؟ بل هل تأملت يوماً في طاعتك التي تفتخر بها وبذكرها فوجدت أن كثيراً منها مشوباً بالرياء والسمعة وحظوظ النفس؟
فكيف تصبر على هذه الحال، وطريقك محفوف بالمكاره والأخطار؟ وكيف القدوم على الله وأنت محمل بالأثقال والأوزار؟
قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ الحشر/18.
وقال صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم أخرجه الترمذي )، وأبو يعلى ، والطبراني في "الصغير" وغيرهم، والحديث قواه الألباني بشواهده في "الصحيحة"
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا"، وفي رواية "وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، فإنه أهون عليكم في الحاسب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر
" يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ الحاقة / 18. أخرجه الترمذي .
فحري بك يا عبد الله أن تقف مع نفسك هذه الوقفة، وتحاسب نفسك هذه المحاسبة، فما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار.
كان ميمون بن مهران رحمه الله تعالى يقول: يا معشر الشيوخ، ما ينتظر من الزرع إذا ابيض؟ قالوا: الحصاد، فنظر إلى الشباب وقال: إن الزرع قد تدركه الآفة قبل أن يستحصد، وقبيح بالشباب تأخير التوبة، وأقبح منه تأخير الشيوخ.
نعم: أخي الكريم، خذ من صحتك لمرضك ومن فراغك لشغلك، ومن حياتك لموتك، ومن غناك لفقرك، وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، فإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح
اللهم اجعلنا من أهل القرآن، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار يا رحمن، اللهم بارِكْ لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.