ومن غش المسلمين فقد أضر بهم وشق عليهم، وقد روى أبو صرمة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من ضار أضر الله به، ومن شاق شق الله عليه"(رواه ابن ماجه).
وإننا لتجد اليوم في المجتمعات الإسلامية ألف نوع ونوع من الغش والخداع والتدليس والتزوير، ولطالما كان أشهر أنواع الغش ما كان في البيع والشراء والكيل والميزان والتجارة، لذا فقد حذَّر القرآن قائلًا: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين: 1-6].
وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل عن رجل يعمل القلانس ويبيعها فربما خلط القطن العتيق بالقطن الجديد أو بشيء من الصوف وحشي القلانس به؟ قال: "هذا من الغش وأكره له ذلك إلا أن يعرف من يشتريها أن القطن فيه عتيق وفيه صوف"(بدائع الفوائد، لابن القيم)، فانظر إلى أي مدى يحرم الغش مهما صغر!
وللغش والخداع صور عديدة أخرى، فربما كان أسهلها وأكثرها انتشارًا هي اليمين الكاذبة، فهو يستغل تعظيم الله -تعالى- في قلوب المسلمين فيقسم به -عز وجل- كاذبًا ليروج لكذبه ويبيع سلعته فبئست التجارة البائرة هي؛ فاليمين الكاذبة تؤدي لا محالة إلى الخراب والدمار عاجلًا أو آجلًا؛ فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع"(رواه الشهاب في مسنده)، يقول المناوي: البلاقع "جمع بلقع؛ وهي الأرض القفراء التي لا شيء فيها، يريد أن الحالف كاذبًا يفتقر ويذهب ما في بيته من الرزق"، وفي الصحيحين: "الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للبركة"، وهو في مسند أحمد بلفظ: "اليمين الكاذبة منفقة للسلعة ممحقة للكسب".
بل عن عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عدَّها من الكبائر فقال: "الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس"(رواه البخاري)، وإنما سميت "غموسًا" لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في نار جهنم -والعياذ بالله- إذا لم يتب منها.
ومن أشكال الغش وصوره: غش الرعية لتي استرعاه الله إياها، فكلٌ فيما خوله الله راع، وكلٌ مسئول عن رعيته، وقد سمع معقل بن يسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة"(متفق عليه)، وفي لفظ للطبراني في المعجم الكبير: "ما من عبد يسترعى رعية وهو لها غاش إلا دخل النار".
ومن أشكاله:الغش في الامتحانات، وقد سئل الشيخ ابن باز -رحمه الله-: ما حكم الغش في الاختبارات الدراسية، علمًا بأن المدرس على علم من ذلك؟ فأجاب: "الغش محرم في الاختبارات كما أنه محرم في المعاملات، فليس لأحد أن يغش في الاختبارات في أي مادة، وإذا علم الأستاذ بذلك فهو شريكه في الإثم والخيانة، والله المستعان".
اللهم اجعلنا من أهل القرآن، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار يا رحمن ......