أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في منتدي عرب فور دون، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله

النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآلهمحمد بن عبد الله بن عبد المُطّلِب بن هاشم، (عام الفيل - 11 هـ) نبي الإسلام، و ..



01-09-2023 05:19 مساء
Ahmed Attia
المشرف العام
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 15-01-2022
رقم العضوية : 1
المشاركات : 91006
الجنس : ذكر
الدعوات : 8
قوة السمعة : 230
 offline 

محمد بن عبد الله بن عبد المُطّلِب بن هاشم، (عام الفيل - 11 هـ) نبي الإسلام، وخاتم النبيين، وأحد الأنبياء أولي العزم، ويُعدّ القرآن الكريم معجزته التي تحدّى بها الأمم والشعوب، مُركّزاً دعوته على التوحيد ومكارم الأخلاق وتنظيم حياة الإنسان، ويذكر التاريخ بأنه (ص) ظهر كحاكم مقنّن ومُصلح اجتماعي وقائد عسكريّ في الوقت نفسه.




250px-%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%DB%8C_%28%D9%85%D8%AF%DB%8C%D9%86%D9%87%29




الاسم محمد
الترتيب خاتم الأنبياء
الكنية أبو القاسم
تاريخ الميلاد 17 ربيع الأول عام الفيل (570 م)
تاريخ الوفاة 28 صفر سنة 11 هـ (632 م)
مكان الميلاد مكة
مكان الدفن المدينة المنورة
مدة حياته 63 سنة
الألقاب الأمين، المختار، المصطفى، حبيب الله، صفي الله، سيّد المرسلين، خاتم النبيين، رحمة للعالمين، النبي الأمّي.
الأب عبد الله بن عبد المطلب
الأم آمنة
الزوج خديجة، أم سلمة، حفصة، عائشة، زينب، أم حبيبة، جويرية، ميمونة، مارية القبطية، سودة، صفية، مارية
الأولاد فاطمة، القاسم، إبراهيم، رقية، أم كلثوم، عبد الله، زينب.



كانت ولادته في مجتمعٍ اتّسم بـالشرك وعبادة الأصنام، ولكنه لم يعبد صنماً قط، ولم يشرك بـالله شيئا، وقد بعثه الله وهو في الأربعين من عمره. واجه مع أصحابه أقسى أنواع التعذيب والتنكيل والتهجير والنهب. وحينما بلغ عمر الدعوة الإسلامية ثلاثة عشر عاماً هاجر من مكة إلى يثرب -والتي سمّيت بـمدينة النبي لاحقاً- فكانت هجرته هذه منطلقاً لتاريخ جديد وانعطافة كبرى في حياة الرسالة الإسلامية، حيث انتقل الصراع بعدها ما بين المشركين والمؤمنين إلى المواجهة العسكرية والصدامات المسلحة التي انتهت بانتصار معسكر الإسلام.

الجهود الحثيثة التي بذلها رسول الله (ص) بمؤازرة أصحابه من المهاجرين والأنصار كان لها الأثر الكبير في تحويل المجتمع الجاهلي إلى مجتمع توحيدي. ولم يكن النبي الأكرم (ص) ذا أثر في المجتمع الذي عاصره وحسب، بل ترك حيّزاً كبيراً في المجتمعات الأخرى وعلى مرّ العصور أيضاً.

وبناء على حديث الثقلين فقد أكد النبي (ص) على المسلمين بالتمسك بالقرآن وعترته، حيث إنهما لن يفترقا، كما وقد أكّد مراراً على كون الإمام علي (ع) خليفته بعد رحيله مباشرة؛ لكي لا تتوقف المسيرة التي ابتدأت بـبَعثه.

تزوج النبي (ص) من خديجة وهو في الخامس والعشرين من عمره، وبعد وفاتها تزوج من نساء أخرى، وکان أولاده من خدیجة ومارية فقط، وتوفي جمیعهم في حيات النبي غير فاطمة (ع).
موجز عنه

عنت

شجرة النبي محمد (ص)

هو مُـحمّـد بن عبد الله بن عبدالمطّلب بن هاشم بن عبد مَناف بن قُصَيّ بن كلاب بن مُرّة بن كَعب بن لُؤيّ بن غالب بن فِهر (قريش) بن مالك بن نَضر بن كنانة بن خُزَيمة بن مُدركة بن الياس بن مضر بن نِزار بن مَعَدّ بن عدنان.[١]

أمّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب.[٢] ولمّا بلغ السادسة وثلاثة أشهر من عمره وقيل الرابعة من عمره، رافق أمّه آمنة في رحلته إلى يثرب (المدينة) لزيارة أخواله من بني عدي بن النجار، وفي مسير عودتهم إلی مكة توفيت آمنة في منزل الأبواء، ودفنت هناك.[٣]


وقد أجمعت الشيعة -كما ذكر ذلك العلامة المجلسي- على إيمان أمّه آمنة وأبيه عبد الله وأجداده إلى آدم (ع)،[٤] وكذلك على إيمان عمه أبي طالب[٥]. يكنّى بـأبي القاسم وأبي إبراهيم.[٦] ومن ألقابه: الحليم، والمختار، والأمين، والميمون، وأحمد، وحبيب الله، وصفي الله، ونعمة الله، وعبد الله، وخيرة الله، وخلق الله، وسيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين.[٧]

Crystal Clear app kdict.png طالع أيضًا: قائمة ألقاب وكنى رسول الله (ص)

رسالته

بُعث محمد (ص) في الأربعين من عمره للرسالة،[٨] وكان النبي يمتلك فطرة طاهرة، وكانت الفئات الحاكمة في مكة حينها ملتهية بعبادة الأصنام، مما جعله يميل إلى العزلة والاعتكاف والعبادة في جبال مكة المكرمة، وكانت عبادته تمتد على مدى شهر، ومن ثم يرجع (ص) إلى مكة. وكما ورد أن إسرافيل وكّل به ثلاث سنين وجبرائيل عشرين سنة،[٩] وذلك قبل البعثة هيّأت له الأرضية المناسبة لتلقي الوحي.[١٠]

كان (ص) متواصل الأحزان، دائم الفكر ليس له راحة، طويل الصمت لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه، يتكلم بجوامع الكلم فصلاً لا فضول فيه ولا تقصير، دمثاً ليس بالجافي ولا بالمهين، يعظم عنده النعمة وإن دقت، لا يذم منها شيئاً غير أنه كان لا يذم ذواقاً ولا يمدحه، ولا تغضيه الدنيا وما كان لها، فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، إذا أشار أشار بكفه كلّها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها فضرب راحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وانشاح، وإذا غضب غض طرفه جل ضحكه التبسم، يفتر عن مثل حب الغمام.


ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج 3، ص 349؛ الصدوق، معاني الأخبار، ص 81.

مرحلة الطفولة والشباب
المقالة الرئيسة: ولادة النبي (ص)

لم تذكر لنا المصادر التاريخية السنة التي ولد فيها النبي الأكرم (ص) بالتحديد، غير أنّ ابن هشام وغيره من المؤرخين ذكروا أنّ ولادته كانت في العام الذي هجم فيه أبرهة الحبشي على الكعبة والمعروف بـعام الفيل.[١١] ولكن هذا التحديد العام لا ينفع إلاّ من عاصروا الحادثة وعاشوها وعرفوا زمانها بالتحديد، وعليه لا يمكن تحديد تاريخ دقيق لولادته (ص) ، وإن كان المستفاد من ضم تاريخ وفاته 632 م ـ حسب المصادر التاريخية ـ إلى الثلاث والستين سنة التي عاشها، فيكون حاصل طرح الرقم الثاني من الأول 570 أو 569 ميلادية.[١٢]

والمشهور بين الشيعة أنّ ولادته كانت في السابع عشر من ربيع الأول فيما ذهب مشهور أهل السنة إلى القول بأنّ ولادته كانت في الثاني عشر من ربيع الأول.[١٣]
طفولته
المقالة الرئيسة: طفولة النبي محمد (ص)

هناك الكثير من المصادر التاريخية التي تطرقت إلى فترة طفولة النبي، لكن لم يتحدث القرآن الكريم عن طفولته إلاّ بالنزر اليسير التي من ضمنها إشارته إلى حالة اليتم التي عاشها (ص).[١٤]

لمّا شبَّ عبد الله، زوّجه والدُه عبد المطلب بـآمنة بنت وهب من بني زهرة،[١٥] ولم تمض إلاّ مدة يسيرة حتى حملت آمنة بسيّد البريّة النبي محمد (ص).[١٦] وبعد فترة سافر عبد الله في رحلة تجارية إلى الشام.[١٧] فلما بلغ مدينة يثرب توفاه الله تعالى، فولد النبي (ص) يتيماً.[١٨] ومنهم من ذهب إلى القول بأنه (ص) ولد إبّان حياة أبية.[١٩]

وحيث كان من عادة المكيين أن يطلبوا لأبنائهم مراضع من أهل البادية فقد اتخذ جدّه عبد المطلب - الذي تكفل بالنبي بعد وفاة أبيه - امرأة عربية لتكون مرضعةً ومربيةً له.[٢٠] تلك هي حليمة السعدية.[٢١] ودرج الطفل في أحضان بني سعد فترة.[٢٢] ولما بلغ السادسة من عمره، رافق أمه آمنة في سفرها إلى المدينة، وحينما قفلوا راجعين توفيت آمنة في منزل الأبواء تاركة ابنها الوحيد يتيم الأبوين.[٢٣]

ولما بلغ الثامنة توفّي عبد المطلب جدّ النبي (ص) وكفيله،[٢٤] وترك كفالة محمد (ص) إلى عمّه أبي طالب (ع).[٢٥] فكان أبو طالب (ع) بمثابة والدٍ حنون يرى في رعاية ابن أخيه إطاعةً لأمر أبيه عبد المطلب، وعملاً بوظيفته الإنسانية، تساعده في ذلك تلك المرأة الجليلة فاطمة بنت أسد التي قال (ص) يوم وفاتها: «اليوم ماتت أمِّي، تجيع أولادها وتطعمني وتشعثهم وتدهنني، وما أحسست باليتم منذ أن التجأت إليها.[٢٦] وشهد جنازتها فصلَّى عليها وكفَّنها قميصه ليدرأ عنها هوامَّ القبر،[٢٧] ونزل في قبرها لتأمن ضغطته».[٢٨]

رحلته الأولى إلى الشام

ذكر المؤرخون أنّه (ص) سافر مع عمّه أبي طالب (ع) حينما كان صغيراً وبالقرب من مدينة بصرى القديمة،[٢٩] وكانت تقوم صومعة يسكن فيها عابدٌ مسيحيّ اسمه بُحيرا[٣٠] وحينما وصلت قريش إلى رحاب الصومعة، قال بحيرا لعمّه أبي طالب (ع): «إنه كائن لابن أخيك هذا شأنٌ عظيمٌ، نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا، هذا سيّدُ العالمين، هذا رسولُ رب العالمين، يبعثه رحمة للعالمين.[٣١] إحذر عليه اليهود لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليقصدنّ قتله».[٣٢]

روي أنّ بحيرا الراهب قال للنبي (ص): «يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلاّ أخبرتني عما اسألك، فقال رسول الله (ص): لا تسألنِي باللات والعُزّى فوالله ما أبغضتُ شيئاً بغضهُما».[٣٣]
شبابه
حلف الفضول
المقالة الرئيسة: حلف الفضول


من الحوادث التاريخية المهمة التي عاصرها النبي الأكرم (ص) قبل زواجه وعاش أحداثها هي مشاركته (ص) في حلف يسمى بـ حلف الفضول حيث كان عمره الشريف آنذاك عشرين سنة،[٣٤] فقد اجتمع بنو هاشم، وزهرة، وتيم، وعاهدوا الله المنتقم الجبار أن يكونوا مع المظلوم، حتى يأخذوا حقّه ممن ظلمه.[٣٥] وكان (ص) يعتز كثيراً بهذا الحدث التاريخي المهم حتى قال فيه: «ما أحب أن يكون لي بحلف حضرته في دار ابن جَدْعان حُمُر النعم».[٣٦]
نصب الحجر الأسود
المقالات الرئيسة: الكعبة و الحجر الأسود


من الحوادث المشهورة التي عاشها النبي الأكرم (ص) قبل البعثة قضية بناء الكعبة واختلاف سادة قريش في وضع الحجر الأسود،[٣٧] وذلك: إن قريشاً في الجاهلية هدموا البيت، وإنّما هدموها؛ لأن السيل كان يأتيهم من أعالي الجبال المحيطة بمكة، فيدخلها فانصدعت، وكان ذلك قبل مبعث النبي (ص) بخمس سنین...[٣٨] فلمّا بلغ البناء إلى موضع الحجر الأسود، اختلفت قريش وتشاجرت في وضعه، أيّهم يضع الحجر الأسود في موضعه،[٣٩] فكل قبيلة تقول: نحن أولى به، ونحن نضعه، حتى كاد الشر أن يقع بينهم، وأخيراّ اتفقوا وتراضوا بتحكيم وقضاء أوّل داخل عليهم من باب بني شيبة، فأطلّ النبي (ص) ودخل عليهم.[٤٠] فقالوا جميعاً:هذا الأمين قد جاء فحكّموه، فأخبروه بخبرهم وطلبوا منه أن يحكم بينهم، فتقدم (ص) وبسط رداءه على الأرض، ووضع الحجر فيه ثم قال: «يأتي من كلّ ربع من قريش رجل». فرفعوا جميعا الرداء الذي فيه الحجر إلى مستوى موضعه، ثم تناول (ص) الحجر بيده ووضعه في موضعه.[٤١]
زواجه وأولاده
المقالة الرئيسة: زوجات النبي


تزوج النبي محمد من خديجة وهو في الخامسة والعشرين من عمره،[٤٢] وعاش معها 25 عاماً، حيث توفيت خديجة في السنة العاشرة للبعثة.[٤٣] وبعدها تزوج النبي من عدة زوجات هنّ: سودة، وعائشة، وحفصة، وزينب بنت خزيمة، وأم حبيبة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وجويرية، وصفية، وميمونة، ومارية القبطية.[٤٤]

أولاده

المقالة الرئيسة: أولاد النبي
أولاد النبي محمد (ص)
القاسم: (وفاة: قبل البعثة)
عبدالله: (وفاة: قبل الهجرة)
رقية: (وفاة: 2 هـ)
زینب: (وفاة: 8 هـ)
أم کلثوم: (وفاة: 9 هـ)
إبراهیم: (8 هـ - 10هـ)
فاطمة: (5 للبعثة - 11 هـ)

ولد له من خديجة: القاسم وعبد الله وهما الطّاهر والطيّب،[٤٥] وأربع بنات، زينب ورقيّة وأُمّ كلثوم وهي آمنة وفاطمة (ع) وهي اُمّ أبيها،[٤٦] ولم يكن له ولد من غيرها إلاّ إبراهيم من مارية القبطية ولد بعالية.[٤٧] ويقال: ولد بالمدينة سنة 8 هـ ومات بها، وله سنة وعشرة أشهر وقبره بـالبقيع.[٤٨]

ولم يبق من أولاده سوى فاطمة (ع) التي كانت ذرية رسول الله (ص) منها. أمّا زينب فقد توفيت في السنة 8هـ في المدينة،[٤٩] وتوفيت رقية في سنة 2 هـ في المدينة أيضاً،[٥٠] فيما توفيت أمّ كلثوم في سنة 9 هـ في المدينة،[٥١] وتوفي عبد الله بعد البعثة مباشرة في مكة المكرمة.[٥٢]
مبعثه
المقالة الرئيسة: البعثة


ذهب مشهور الشيعة الإمامية إلى القول بأنّ بعثته (ص) كانت في 27 رجب.[٥٣]


وكان رسول الله (ص) قبل البعثة يخلو بـغار حراء يتحنث فيمكث فيه شهراً من كلّ سنة يطعم من جاءه من المساكين،[٥٤] فإذا قضى رسول الله جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره الكعبة، قبل أن يدخل بيته، فيطوفُ به سبعاً أو ما شاء الله من ذلك، ثم يرجع إلى بيته.[٥٥]

حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله تعالى به فيه ما أراد من كرامته من السنة التي بعثه الله تعالى فيها، خرج رسول الله (ص) إلى حراء كما كان يخرج لجواره حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته جاءه جبرئيل بأمر الله تعالى، فقال له: «إقرأ». فقال له: «ما أنا بقارئ»، فقال جبرائيل:﴿إقْرَ‌أْ بِاسْمِ رَ‌بِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾[٥٦]

وكان ذلك حسب مشهور المؤرخين في الأربعين من عمره الشريف.[٥٧] فعاد (ص) إلى البيت من ليلته وكان في البيت هو وخديجة وعلي بن أبي طالب (ع) وزيد بن حارثة.[٥٨] فدعاهم إلى التوحيد والإيمان به فكان أوّل المؤمنين به زوجته خديجة ومن الرجال ابن عمّه علي بن أبي طالب (ع).[٥٩] وذكرت بعض المصادر أن أوّل من آمن من الرجال أبو بكر وزيد بن حارثة.[٦٠] ورغم محدودية الدعوة في السنين الأولى إلاّ أن المؤمنين برسالته كانوا في اطراد حتى اضطروا للخروج خارج شعاب مكة لأداء الصلاة هناك.[٦١]


الدعوة العلنية

ذهب بعض الباحثين والمؤرخين إلى القول بأنّ الدعوة السرية استمرت ثلاث سنين أعلن بعدها عن بدء الإجهار بالدعوة والإعلان عنها، فيما رفض فريق آخر من الباحثين ذلك مدعياً أن الإجهار بالدعوة والإعلان عنها تمّ بعد بدء البعثة مباشرة وبفترة قصيرة.[٦٢]وكان أوّل شيءٍ شرع به الرسول (ص) الدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك بشتّى أنواعه، ثمّ شرّع لهم الصلاة ركعتين للمسافر والحاضرين معاً وبعد فترة اختص الحكم بالمسافرين فيما أصبح واجب الحاضرين الصلاة أربعة ركعات، وكان المسلمون يتخفّون عن أعين المشركين أثناء أدائهم للصلاة، ورويداً رويداً بدأ عدد المسلمين يزداد ويتوسع وجودهم في مكة.[٦٣]

وقد ذكر مشهور المؤرخين والمفسرين أنّه ومع انتهاء السنة الثالثة من البعثة صدر الأمر الإلهي له بالإعلان عن الدعوة في قوله تعالى:﴿وَأَنذِرْ‌ عَشِيرَ‌تَكَ الْأَقْرَ‌بِينَ* وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِ‌يءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾.[٦٤] وجاء في سيرة ابن إسحاق: لما نزلت الآيات المذكورة دعا رسول الله (ص) علي بن أبي طالب (ع) وقال له: « فَاصْنَعْ لَنَا يَا عَلِيُّ شَاةً عَلَى صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ، وَأَعِدَّ لَنَا عُسَّ لَبَنٍ، ثُمَّ اجْمَعْ لِي بنى عبد المطلب»، فاجتمعوا له وهم يومئذٍ أربعون رجلاً أم ينقصون، فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب الذي كان ممن كفر بدينه،[٦٥] فقدّم لهم علي تلك الجفنة فأخذ منها رسول الله (ص) حذية فشقها بأسنانه، ثم رمى بها في نواحيها، ثم قال: «كلوا باسم الله»،[٦٦] ثم قال رسول الله : «اسقهم يا علي»، فسقاهم بذلك القعب فشربوا حتى نهلوا جميعاً، وأيم الله– كما قال علي (ع)- إن كان الرجل منهم ليشرب مثله،[٦٧] فلما أراد رسول الله أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال لهم: «ما أشد ما سحركم صاحبكم!». فتفرقوا ولم يكلمهم رسول الله (ص).[٦٨]

فلّما كان الغد قال رسول الله::«يا علي عد لنا بمثل الذي كنت صنعت لنا بالأمس من الطعام والشراب، فإنّ هذا الرجل قد بدرني إلى ما قد سمعت قبل أن أكلم القوم»،[٦٩] ففعل علي (ع) ذلك، ثم جمعهم له، فصنع رسول الله (ص) كما صنع بالأمس، فأكلوا حتى نهوا عنه، ثم شربوا من ذلك القعب حتى نهلوا عنه، وأيّم الله إن الرجل منهم ليأكل مثلها، ويشرب مثله،[٧٠] ثم قال رسول الله: «يا بني عبد المطلب، والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة»[٧١] وأضاف الطبري: ثم تكلم رسول الله (ص) فقال: «يا بني عبد المطلب إنّي والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرنى الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخى ووصيي وخليفتي فيكم؟» [٧٢] فأحجم القوم عنها جميعاً فقال علي (ع) : «أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي» ثمّ قال: «إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا».[٧٣] وسجل القصة غيره من المؤرخين وأصحاب السير.[٧٤]

وهكذا بدأ عدد المسلمين يزداد مما أثار حفيظة قريش وقلقهم فمشوا إلى عمّه وحاميه أبي طالب (ع) عارضين عليه عمارة بن الوليد ابن المغيرة، فقالوا له: «يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش– حسب زعمهم- وأشعره وأجمله، فخذه فلك عقله ونصرته واتخذه ولداً، فهو لك، وأسلم لنا ابن أخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك وفرّق جماعة قومك وسفّه أحلامهم فنقتله فإنما رجل كرجل!»[٧٥] فقال: «والله لبئس ما تسومونني أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه هذا والله ما لا يكون أبداً».[٧٦]

وما كانت قريش لتؤذي الرسول (ص) أكثر من ذلك وفقاً لقوانين قريش ومقرراتها وخشية من ردّة فعل بني هاشم، إلاّ أنّها صبّت جام غضبها على من اتبعه من المسلمين كـبلال وآل ياسر و...[٧٧]

ولمّا اشتدت المواجهة بين الرسول (ص) والمؤمنين من جهة وبين المشركين من جهة أخرى جاء رؤساء قريش مرة ثانية إلى أبي طالب (ع) عارضين عليه الوساطة بينهم وبين ابن أخيه.[٧٨] فقال (ص) : «والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته ولكن يعطوني كلمةً يملكون بها العرب، وتدين لهم بها العجم، ويكونون ملوكاً في الجنّة».[٧٩] فقال له أبو طالب (ع) : «يا بن أخي، قل ما شئت، فو الله لا أسلمك لشيء أبداً».[٨٠]

وبهذا بدأ فصل جديد من أشدّ فصول حياته، وأكثرها متاعب ومصاعب؛ لأنّ قريشاً كانت لا تزال إلى ذلك الوقت تراعي حرمته وتوقره، وتتريث في مواجهته، ولكنها ما إن فشلت في مخططاتها لجرّه إلى مساومتها حتى غيرت نهجها واُسلوبها معه لتقف دون إنتشار دينه مهما كلّفها ذلك من ثمن مستفيدة في هذا السبيل من كلّ الوسائل الممكنة.[٨١]

هجرة المسلمين إلى الحبشة
المقالة الرئيسة: الهجرة إلى الحبشة

ولما فشلت مساعي قريش في التصدي للنبي الأكرم (ص) وإيقاف حركته التبليغية لنشر الرسالة أخذت بتضييق الخناق عليه وعلى الثلّة المؤمنة معه، فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع وتركهم ورمضاء مكة وكيهم بالنار؛ ليفتنوهم عن دينهم، فلما رأى رسول الله (ص) ما يصيب أصحابه من البلاء قال: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة فانّ بِها ملِكاً لا يُظلَمُ عِندهُ أحد وهي أرضُ صِدق حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه». فخرج المسلمون وتركوا أرضهم وأموالهم، مخافة الفتنة، وفراراّ إلى الله بدينهم.[٨٢]

كان رسول اللَّه (ص) يجلس بين ظهرانيّ أصحابه، فيجييء الغريب فلا يدري أيّهم هو.


النسائي، سنن النسائي، ج 8، ص 101؛ الطبرسي، مكارم الأخلاق ص 16.

فبعثت قريش وفداً مزوداً بالهدايا والتحف للنجاشي والبطارقة وحاشيته، وكان الوفد مؤلفاً من: عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة، وعندما وصلوا الحبشة قدموا إلى النجاشي هديته فقبلها منهم، ثم تحدثوا معه بالمهمة التي جاؤوا من أجلها، فأرسل النجاشي إلى أصحاب رسول الله (ص)، واستدعاهم إليه، فلما حضروا مجلسه اتجه إليهم وقال: «ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد من هذه الملل؟»، فتولّى الجواب عن المسلمين جعفر بن أبي طالب قائلاً:

«أيّها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش... حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفّته، فدعانا إلى الله لنوحّده ونعبده،... فلمّا ضيّقوا علينا وعذبونا وقهرونا خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أنّ لا نظلم عندك أيها الملك».

فالتفت النجاشي إلى وفد قريش وقال لهم: «انطلقوا فلا والله لا أسلمهم إليكم».[٨٣]

حصار بني هاشم
المقالة الرئيسة: شعب أبي طالب

ولمّا فشلت مساعي قريش في الحد من توسّع الدعوة الإسلامية وفشل الوفد الذي أرسل إلى النجاشي أجمعت أمرها على مقاطعة النبيِّ (ص) وكلّ من يؤازره من بني هاشم، وكتبوا صحيفة بشأن هذا القرار جاء فيها:

أن لا يبتاعوا من أنصار النبيّ (ص) ولا يبيعوهم شيئاً.
أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم.
أن لا يؤاكلوهم ولا يكلّموهم.
أن يكونوا يداً واحدة على «محمّد» وأنصاره.

وقد وقّعت الصحيفة الظالمة وعلقت في جوف الكعبة.

فجمع أبو طالب (ع) بني هاشم، وجعلهم في شِعْبٍ كان له في أطراف مكة، وبقوا هناك في أشدّ ما يكون من سوء العيش.[٨٤]

استمر حصار بني هاشم ما بين سنتين وثلاث سنين حتى نفد الطعام والأموال التي كانت بحوزتهم من أبي طالب (ع) وخديجة (ع)، ولقد اضطروا بعدها إلى أن يقتاتوا بورق الشجر، وكان صبيتهم يتضورون جوعا، وبقي المسلمون في شعب أبي طالب (ع) يقاسون الجوع والحرمان لا يخرجون منه إلاّ في أيام الموسم، أو بما يمدّهم به بعض المعارضين للحصار، فقد روي أن حكيم بن حزام- ابن أخ خديجة- خرج يوماً ومعه شخص يحمل طعاماً إلى عمته خديجة بنت خويلد إذ لقيه أبو جهل فقال له: «تذهب بالطعام إلى بني هاشم؟ والله لا تبرح أنت ولا طعامك حتى أفضحَك عند قريش بمكة». فقال له أبو البختريّ- وقد كان من المشركين: «تمنعه أن يرسل إلى عمته بطعام كان لها عنده؟».

فأبى أبو جهل أن يدعه إلاّ أن يأخذه إلى قريش، فقام إليه أبو البختري بساق بعير فضربه. عند ذلك تلاوم رجال من بني عبد مناف ومن قصي وسواهم من قريش على هذا العمل المنكر (حصار بني هاشم) وسعوا إلى فك الحصار عن الهاشميين، واتفقوا أن يفدوا إلى أنديتهم، ويعلنوا رفض المقاطعة، وإنهاء الحصار.

وجاء في سيرة ابن هشام: «إن رسول الله (ص) قال لعمّه أبي طالب (ع) : يا عم إنّ ربّي الله قد سلط الأرضة على صحيفة قريش، فلم يدع اسماً إلاّ (هو الله)». فخرج أبو طالب (ع) إلى أندية قريش وقال: «يا معشر قريش إنّ ابن أخي أخبرني بكذا وكذا، فهلم إلى صحيفتكم، فإن كان كما قال ابن أخي، فانتهوا عن قطيعتنا، وانزلوا عمّا فيها، وإن يكن كاذبا دفعت إليكم ابن أخي»، فقال القوم بأجمعهم: «قد أنصفت ورضينا، وتعاقدوا على ذلك». وقام المطعم إلى الصحيفة وجاء بها وفتحت على مرأى من الجميع فإذا بها كما أخبرهم النبي (ص) على لسان عمّه أبي طالب (ع)، قد أكلت الأرضة جميع حروفها إلاّ (بسمك اللهم)، فمزقت الصحيفة ورفع الحصار عن بني هاشم.[٨٥]


الهجرة إلى المدينة
المقالة الرئيسة: الهجرة إلى المدينة

السفر إلى الطائف وما إن رفع الحصار عن بني هاشم وخرجوا من الشعب حتى فقد النبي الأكرم (ص) اثنين من أشدّ مناصريه وداعميه المتمثلين بعمّه أبي طالب (ع) وزوجته خديجة (ع) في العام الذي أطلق عليه عام الحزن.[٨٦]

ولما لم يجد (ص) من ينصره ويدافع عنه، ويمنعه خرج إلى الطائف، فعمد إلى ثقيف بـالطائف وتوجه إلى ساداتهم فما أجابوه إلاّ بالتهكم والسخرية اللاذعة، ولم يلق منهم أي سند ولا عون، فقفل (ص) راجعاً من الطائف إلى مكة.[٨٧]

المدنية المنورة إبّان البعثة:


ما إن فقد النبي (ص) الأمل عن توفير الأرضية المناسبة للدعوة في الطائف حتى أخذ يفكر في مكان آخر يهاجر إليه، فكانت المدينة المنورة خياره الثاني بعد الطائف؛ وذلك أنّ المدينة وكما سجل ذلك بعض المؤرخين كانت تشهد بين الحين والآخر صراعاً بين اليهود وبين سكانها من المشركين العرب وكان أهل يثرب يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم أنّ هذا أوان نبيّ يخرج بمكّة يكون مهاجره بالمدينة لنقتلنّكم به يا معشر العرب، فكانوا مهيئين نفسياً لقبول الدين الذي جاء به الرسول محمد بن عبد الله (ص).

يضاف إلى ذلك الصراع الدامي بين القبائل القاطنة في المدينة وخاصة بين قبيلتي الأوس والخزرج حيث كانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار، وكان آخر حرب بينهم يوم بُعاث الذي قتل فيه الكثير من الطرفين، وملّ الطرفان الحرب، فخرج أسعد بن زرارة وذكوان إلى مكّة يسألون الحلف على الأوس، وكان أسعد بن زرارة صديقاً لعتبة بن ربيعة فنزل عليه، فقال له: «إنّه كان بيننا وبين قومنا حرب وقد جئناك نطلب الحلف عليهم»، فقال له عتبة: «بعدت دارنا من داركم، ولنا شغل لا نتفرّغ لشيء»، قال: «وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم؟» قال له عتبة: «خرج فينا رجل يدّعي أنّه رسول الله (ص) ، سفّه أحلامنا، وسبّ آلهتنا، وأفسد شبّاننا»، فلمّا سمع ذلك أسعد وقع في قلبه ما كان سمع من اليهود.

وكانت الأوس والخزرج قد اتفقتا على أن تجعلا عبد الله بن أبي بن سلول زعيما للقبيلتين وذلك لعدم مشاركته في هذه الوقعة حيث كان موضع احترام من القبيلتين وأعدوا له تاجاً يتوّجونه به، حتى يصبح أميراً في وقتِ معيّن.[٨٨]

لقاء النبي مع وفود الحاج

في تلك الأيام اعتمد الرسول الأكرم (ص) استراتيجية جديدة في التبليغ تتمثل بعرض رسالته على وفود الحجاج القادمة إلى مكة أيام الموسم، فخرج (ص) في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كلّ موسم، فبينما هو عند العقبة لقي رهطاً من الأنصار وكانوا ستة أنفار من الخزرج، فدعاهم إلى الله عزّ وجلّ، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فأحدثت كلمات النبيّ (ص) في نفوسهم أثراً عجيباً، فأجابوه فيما دعاهم إليه، بأنّ صدّقوه، وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا: «إِنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر مثل ما بينهم، فعسى أن يجمعهم اللهُ بك، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليه فلا رجل أعزّ منك».[٨٩] فلما رجعوا، وأخبروهم بالحادثة أثّرت دعوتهم الجادة في يثرب تأثيراً حسناً حيث سبّبت في إسلام فريقٍ من أهل يثرب واعتناقهم عقيدة التوحيد، وكان لتنبؤ اليهود السالف دور كبير في تحقيق تلك الإستجابة السريعة.

بيعة العقبة الاُولى
المقالة الرئيسة: بيعة العقبة الأولى


فلمّا كان العام المقبل (أي السنة الثانية عشرة من البعثة) قدم مكة اثنا عشر رجلاً من أهل يثرب، فلقوا رسول الله (ص) بالعقبة، وانعقدت هناك أوّل بيعة إسلاميّة.

وكان نصّ هذه البيعة- بعد الاعتراف- بالإسلام والإيمان بالله ورسوله هو:

بايعنا رسول الله (ص) على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف.

وعاد هؤلاء النفر إلى يثرب، وبعث النبيّ (ص) لهم مصعب بن عمير وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام، ويفقّههم في الدين وليحدد له الحالة التي عليها المدينة.[٩٠]

بيعة العقبة الثانية
المقالة الرئيسة: بيعة العقبة الثانية

لما حلّ موسم الحجّ لسنة 13 من البعثة خرجت قافلة كبيرة من أهل يثرب للحجّ فيهم ثلاث وسبعون من المسلمين من بينهم امرأتان حتى قدموا مكّة، والتقوا رسول الله (ص) فوعدهم رسول الله (ص) بالعقبة للبيعة.

فلما كانت الليلة الثالثة عشرة من شهر ذي الحجة وهي التي واعدهم رسول الله (ص) ، حضر رسول الله (ص) مع عمّه العباس بن عبد المطلب ولمّا استقرّ المجلس بالجميع، كان أوّل متكلم هو: العباس بن عبد المطلب فقال واصفاً منزلة رسول الله (ص): «يا معشر الخزرج إِنّ محمّداً (ص) مِنّا حيث قد علمتم، وقد منعناهُ من قومنا، فهو في عزّ من قومه، ومنعة في بلده، وإِنّه قد أبى إلاّ الانحياز إليكم، واللُحوق بكم، فإن كنتم ترون أنّكم وافون له بما دعوتموه إِليه، ومانعوه ممّن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإِن كنتم ترون أنّكم مُسلِمُوهُ وخاذِلُوهُ بعد الخروج به إِليكم، فمن الآن فدعوهُ فإنّه في عِزّ ومنعةٍ من قومه وبلده».

فقال الحضور: «قد سمعنا ما قلت، فتكلّم يا رسول الله (ص) ، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت».

فتكلمَ رسول الله (ص) ، فتلا القرآن، ودعا إلى الله، ورغّب في الإسلام، ثم قال: «اُبايعُكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم».

فقام البراء بن معرور، وأخذ بيد النبيّ (ص) وقال: «نعم، والذي بعثك بالحق نبياً لنمنعنَّك مما نمنع منه اُزُرنا، فبايعنا يا رسول الله (ص) ، فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة (أي السلاح) ورثناها كابراً عن كابر، ثم بايعه سائر الحاضرين، وكانت تلك البيعة تسمى بيعة الحرب».

ثم عاد الوفد إلى يثرب، ومهدوا الطريق لانتقال المهاجرين إليها فكانوا يسمّون الأنصار في مقابل المهاجرين الوافدين عليهم من المسلمين.[٩١]

مؤامرة دار الندوة

كانت بيعة العقبة الثانية بمثابة ناقوس خطر رنّ في الوسط المكّي لما يترتب على حصول المسلمين على موضع قدم آمن من أخطار تهدد الكيان المكي على كلّ من المستوى الديني والسياسي والإقتصادي والعسكري، ومن هنا قرروا الإنتقال بالمعركة مع الرسول (ص) إلى خطوة متقدمة تتمثل بتصفيته جسدياً والتخلص منه؛ ولهذا اجتمع كلّ رؤساء القبائل المكية في «دار الندوة» أكثر من مرة للتشاور في كيفية القضاء على الإسلام، وقرروا أخيراً أن تختار قريش من كلّ قبيلة فتى من فتيانها الأشداء، ويعطى كلّ واحد منهم سيفاً ماضياً، ويعمدوا إليه بأجمعهم فيضربونه ضربة رجل واحد، فإذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل كلّها، ولم يعد باستطاعة أحد من بني هاشم أن يطلب بدمه، فيختارون ديته على القتل.

وفي تلك الليلة أوحى الله تعالى إلى رسوله:﴿وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾[٩٢]. فعرض (ص) على ابن عمّه علي بن أبي طالب (ع) أمر المبيت على فراشه– في الليلة المعروفة بـليلة المبيت- ليتمكّن هو من الفرار والتخلص من مؤامرة قريش، فخرج (ص) بمعيّة أبي بكر بن أبي قحافة، وبقوا في غار ثور ثلاثة أيام، فلمّا أمنوا الطلب خرجا باتجاه المدينة المنوّرة.[٩٣]

خروجه من مكة

اختلفت كلمة الباحثين والمؤرخين في اليوم الذي خرج فيه الرسول (ص) من مكة وكذا في اليوم الذي دخل فيه المدينة، فذهب ابن هشام إلى القول: بأنّه (ص) وصل إلى قبا منتصف نهار يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأوّل، وحدد ابن الكلبي خروجه (ص) بيوم الاثنين غرة ربيع الأول وكان وصوله إلى قبا يوم الجمعة الثاني عشر من نفس الشهر، وذهب قوم إلى القول بأنّ وصوله كان يوم الثامن من ربيع الأوّل. فيما ذهب المؤرخون المتأخرون من المسلمين والأوربيين إلى القول بأنّ رحلته استمرت تسعة أيام، وكان وصوله إلى قبا في الثاني عشر من ربيع الأول سنة 14 للبعثة والموافق للرابع والعشرين من سبتمبر سنة 622م. واتخذت هجرته (ص) مبدءاً للتاريخ الإسلامي.

ومن المعالم الأثرية التي شيّدها النبي (ص) إبّان هجرته هو بناؤه لمسجد قبا المعروف.[٩٤]

وأقام عليّ (ع) بمكة ثلاث ليال بأيّامها، حتى أدّى عن رسول الله (ص) الودائع التي كانت عنده للناس، فلما فرغ (ع) من أداء الأمانات والودائع خرج بـفاطمة (ع) بنت رسول الله (ص) وأمه فاطمة بنت اسد، وفاطمة بنت الزبير وآخرين ممن لم يكن قد هاجروا مكة حتى تلك الساعة، فسار بهم حتى التحق برسول الله (ص) في بيت كلثوم بن هدم.[٩٥] وخرج (ص) ومن معه من بني النجار يوم الجمعة، فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف، فصلاها عندهم.

وبعد صلاة الجمعة، دعا براحلته فركبها، ولما دخل الركب المبارك المدينة المنورة، استقبله أهلها بالترحاب والأهازيج والأشعار، وكلما مرّ الركب بحي من أحياء الأنصار، يستقبله زعماء الحي آخذين بزمام الناقة التي يبركها، ويطلبون منه النزول بينهم ويتوسلون ويلحون، ويقولون: إنزل على الرحب والسعة يا نبي الله، إلى القوة والمنعة والثروة، فيدعو لهم بالخير، ويقول: دعوا الراحلة تسير فإنها مأمورة، فانطلقت وما زالت تسير به إلى أن انتهت إلى موضع المسجد الحالي، مسجد رسول الله (ص) ، فوقفت هناك وبركت، ووضعت جرانها على الأرض، وذلك بالقرب من باب دار خالد بن زيد بن كليب، المعروف بـأبي أيوب الأنصاري، فبركت عنده، فاستقبله أبو أيوب فرحاً مستبشراً، وأدخل الرجل إلى منزله، ونزل (ص) ، وقال: المرء مع رحله، فأخبره (ص) معاذ بن عفراء بأنّ الأرض لغلامين يتيمين من بني النجار فاشتراها وجعلها مسجداً، وجعل إلى جنبه موضعاً عرف بالصفة يسكن فيها جماعة عرفوا بـأصحاب الصفة.[٩٦]

وتمثّل هجرة النبي (ص) من مكة إلى المدينة منعطفاً مهماً في تاريخ الدعوة الإسلامية؛ لأنّ المدينة قد تحوّلت إلى مركز ينطلق منه (ص) لتبليغ رسالته إلى سائر الشعوب والبلدان والعاصمة التي يؤسس فيها حكومته التي ستكون منطلقاً للدولة الإسلامية الكبرى التي تحكمها شريعة السماء. ومن هنا قام (ص) بإرسال المبلغين والمرشدين إلى القبائل العربية يدعونهم إلى التوحيد ومكارم الأخلاق.

ولمّا تكاثرت وفود المهاجرين على المدينة قام النبي (ص) بالمؤاخاة بينهم وبين الأنصار، وآخى بينه وبين علي بن أبي طالب (ع).[٩٧] وبعد ذلك قام (ص) بعقد معاهدة بين المسلمين وبين يهود المدينة يؤمن خلالها الحقوق الاجتماعية والدينية للطرفين.[٩٨]

المنافقون واليهود

مع أنّ الغالبية الساحقة من أبناء المدينة المنورة كانوا بين من دخل في الدين الإسلامي وبين مؤيد له إلاّ أنّ ذلك لا يعني أن المدينة وما يحيط بها قد خضعت لسلطة الدين الجديد، فقد شعر عبد الله بن أبي الذي كان على وشك التصدي للرئاسة وتاج الحكم الذي أعدّ له ليصبح الرجل الأول في المدينة بأنّ الفرصة قد ضاعت منه، وأنّ قدوم النبي الأكرم (ص) إلى المدينة حرمته من نيل الفرصة الذهبية التي توفرت أمامه بعد المعارك الطاحنة التي حدثت بين الأوس والخزرج، فلم يجد أمامه إلاّ التظاهر بالإسلام والتخطيط في السر للقضاء على الدين الجديد من خلال التآمر مع يهود المدينة.[٩٩]


وقد حذّر القرآن الكريم من خطر هذه المجموعة التي أطلقت عليها أولى الآيات المدنية عنوان المنافقين، وبيّنت أن خطرهم على الرسالة أشدّ من خطر اليهود لتظاهرهم بالدين واختلاطهم في صفوف المسلمين، مما يوفر لهم الأرضية المناسبة للتخفي والإستفادة من معطيات الدين الجديد من جهة وضربه من جهة أخرى.[١٠٠]

إلاّ أن آيات الذكر واصلت رصدها لحركة هؤلاء بالتهديد والتحذير مبيّنة أن ما يقوم به هؤلاء المنافقون لا يخفى على الله تعالى، كما في قوله تعالى:﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَ‌سُولُ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَ‌سُولُهُ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ .[١٠١] وقد سجل لنا التاريخ الإسلامي أن مشاكسات ابن سلول قد استمرت حتى السنة التاسعة للهجرة التي توفي فيها.

أمّا اليهود فمع أنّهم كانوا يعيشون تحت رعاية الحكم الجديد وأنّ المعاهدة التي أبرمت معهم أمّنت لهم جميع حقوقهم الدينية والإجتماعية، لكنهم وبالرغم من التظاهر بقبول التعايش السلمي مع الدين الجديد بل واعتناق البعض منهم له، إلاّ أنّهم تنصلوا عن المعاهدة، وخانوا العهود؛ لأنّهم يرون في الدين الجديد عاملاً أساسياً في سلب الزعامة الدينية عنهم وتحجيم حركتهم الإقتصادية وهيمنتهم على الجانب الإقتصادي والتجاري في المنطقة. يضاف إلى ذلك أنّ اليهود تؤمن وبشكل جازم أن النبوة لم ولن تخرج من بني اسرائيل وعليه فإنّ ظهور نبي عربي ليس منهم يعني– حسب ما يؤمنون به- خروجاً عن قاعدة غير قابلة للخرم.

ومن خلال هذه الرؤية وبتأثير من عبد الله بن أبي عمد اليهود إلى وضع العراقيل أمام الكيان الإسلامي الجديد متنصلين عن كلّ العهود والإتفاقيات والتنكر لما كانوا يهددون به المشركين من اقتراب موعد ظهور نبي جديد متذرعين بأنّه ليس هو النبي المقصود في التوراة والإنجيل. أمام هذه الحركة جاءت آيات القرآن الكريم لتضع حداً مائزاّ بين الفرقاء، وتبين للمسلمين أنّهم أمّة مستقلة تعود جذورها إلى النبي إبراهيم (ع) :

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إلاّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ* هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين﴾.[١٠٢]

تحويل القبلة
المقالة الرئيسة: تحويل القبلة


صلّى النبي الأكرم (ص) طوال الفترة المكية وسبعة عشر شهراً بعد الهجرة إلى المدينة باتجاه بيت المقدس لحكمة اقتضتها الإرادة الإلهية. وكان اليهود قد اتخذوا موقفاً معادياً للرسول الله (ص) والمسلمين بمختلف توجهاتهم ومحاربتهم بشتى الطرق والوسائل والسبل والمعاذير والحجج ومن جملتها التذرع بقضيّة صلاة النبيّ (ص) والمسلمين إلى بيت المقدس.

فكانوا يقولون معيّرين إِياه: أنتَ تابع لنا تصلي إلى قبلتنا!!.

أو كانوا يقولون: تخالفنا يا محمد (ص) في ديننا وتتبع قبلتنا.

فشقّ هذا الكلام على رسول الله (ص)، واغتم لذلك غماً شديداً، فكان يخرج من بيته في منتصف الليل ويتطلع في آفاق السماء ينتظر من الله أمراً ووحياً في هذا المجال، وبينما كان يصلي الظهر في مسجد بني سلمة– الذي عرف فيما بعد بذي القبلتين- نزل الأمر الإلهي عليه أثناء الصلاة بالتوجه نحو الكعبة، كما تفيد الآية المباركة:

﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ .[١٠٣]

فكان تغيير القبلة كالصاعقة التي نزلت على اليهود والمنافقين، وسلبت ما بأيديهم من ذريعة للإنقاص من الد

































المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
كهربائي المحمدية الدمام Ahmed Attia
0 14 Ahmed Attia
10 ربيع الاول زواج الرسول الأكرم محمد ص من خديجة الكبرى ع سنة 28 للهجرة Ahmed Attia
0 14 Ahmed Attia
10 ربيع الاول وفاة عبد المطلب جد النبي الأكرم محمد ص سنة 45 قبل الهجرة Ahmed Attia
0 13 Ahmed Attia
محافظة بغداد تعطل الدوام الرسمي اليوم الإثنين بمناسبة وفاة الرسول الأكرم محمد "ص" Ahmed Attia
0 21 Ahmed Attia
علاج سحر التفريق مع الشيخ الروحاني محمد البحيري Ahmed Attia
0 14 Ahmed Attia

الكلمات الدلالية
لا يوجد كلمات دلالية ..


 








الساعة الآن 08:03 صباحا