الأمانة العلمية الأمانة فى العام هى : أن يضع أحد لديك شىء مالى ما ثم تعيده إليه عندما يطلبه وهذا هو المعنى المأخوذ من قوله تعالى : " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " وهذا المعنى ليس هو المقصود فى مقالنا هذا وهناك معنى أخر مماثل وهو الحفاظ على الإنسان وإعادته لأهله وهذا هو المعنى الذى قصده أولاد يعقوب (ص) عندما قالوا : " ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون " وهو نفس المعنى الذى قصده يعقوب(ص) نفسه عندما ائتمن اولاده على أخى يوسف(ص) كما ائتمنهم على يوسف (ص)من قبل وفى هذا قال تعالى : "هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل" والمعنى الأخر للأمانة هو معنى بعيد عند النفوس البشرية مع أنه كل أنواع الأمانة بعض منه وهو : الأمانة المعروضة على الخلق فى البداية والتى رفضت كل أنواع الخلق تحملها ما عدا الإنسان فهو الوحيد الذى قبل تحملها : إنها أمانة اختيار الحق عند وجود الحق والباطل وفيها قال تعالى : "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان " ومن ثم الأمانات متعددة وهى الحفاظ على الشىء وكلها داخلة فى أمانة الاختيار التى قبلها الناس برضاهم وأما موضوعنا فهو : الأمانة العلمية وهى ذات وجوه متعددة : الوجه الأول : نسبة القول إلى صاحبه فعندما ينقل الباحث أى كلام من أى كتاب عليه أن يذكر اسم صاحب الكتاب واسم الكتاب قطعا من يشتغلون فى الجامعات يشغلون أنفسهم بأمور أخرى كذكر رقم الطبعة وتاريخها وأرقام الصفحات التى نقل منها ودار والنشر وهو كلام فى الحقيقة لا أهمية لله لأن الأهمية هى : صحة القول أو برهانه كما قال تعالى : " قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " ومعظم العلم مبنى على هذا الطريقة والتى أدت بالبشرية إلى مصائب كثيرة لأن الكل يبنى على أقوال فلان وعلان من خلال الأسانيد ومن خلال أمور أخرى فنادرا ما تجد أحد يناقش وهناك صنف كبير من هؤلاء يبنون بيوت من الهواء فتجد أن أحدهم يذكر أن فلان كذا ويبنون عليه رغم أن فلان لم يقم دليلا واحدا ومن ثم يعتبرونه أمرا مسلما أو بديهية حسب ألفاظ الفلسفة هذا الوجه هو الوجه الأهم عند المشتغلين فى الجامعات الوجه الثانى : هو بيان الحق من الباطل فى الأقوال وقليلا ما تجد أحد يعتمد على إيراد البراهين على صحة القول أو بطلانه مع أن هذا هو الأمر المطلوب عند نقل أى قول ومن ثم نجد فى القرآن تكرار عبارة : " هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " وهذا الوجه هو الوجه ألأهم فى الأمانة العلمية فلن يكون الباحث أمينا لمجرد أن ينقل قول فلان ثم علان ثم فلان ...........وهكذا بالقطع البحوث العلمية خاصة فى الجامعات تهتم بالنقل ومناقشة الأقوال ولكن نادرا ما يكون هناك بحث يناقش من خلال القرآن لأن العملية فى الجامعات هى مجرد ترقيات ولكى تأخذ الترقية عليك أن تنصر رأى المشرفين فى الغالب لأنهم هم من يعطونك الترقية وهذه عادة قديمة فى الجامعات يتوارثنها جيلا بعد جيلا فمن يصدق أن زكى مبارك رفضت أطروحاته فى الجامعات المصرية من قبل طه حسين عدة مرات فذهب وأحضر له ثلاث نجاحات للرسائل من جامعات فرنسا وأصبح يسمى نفسه الدكاترة زكى مبارك اغاظة لطه حسين وقد حدث من مدة قريبة أن قام طالب رسالة بضرب أستاذه بكعب المسدس لأنه كلما قدم له الرسالة ليوافق عليها رفضها والغريب أن المضروب نفسه سبق وأن ضرب أستاذه لنفس السبب ومن ثم ما يسمونه : الطاقم الجامعى بحاجة إلى تغيير أساليب الموافقة على الرسائل بحاجة إلى أن تكون هناك لجان كبيرة العدد تعرض عليها الرسائل بدون أسماء أصحابها منعا لأى محاباة ومنعا لى اشكال مستقبلى وتعطى اللجان رايها فى الرسالة وبذلك نتجنب هذا الجنون قطعا هذا هو حل مؤقت لعدم وجود دولة عادلة يحكمها القرآن الوجه الثالث للأمانة العلمية : نسبة المؤلف إلى صاحبه وهى مشكلة تظهر فى كتل التراث بوجه خاص فهناك عشرات الكتب بنفس الاسم ومع هذا تجد على بعض النسخ أسماء مختلفة لمن ألفها بحيث لا تعرف المؤلف الحقيقى الغريب هو : أن نص النسخ واحد بمعنى : أنه كلام واحد ولا يمكن أن يكتب مثلا ثلاثة أشخاص نفس الكلام دون تغيير فى عشرات ومئات الصفحات ولا تجد جملة من ألوف مؤلفة من الجمل مختلفة ومنذ نصف قرن قبل ظهور الشبكة العنكبوتية كان من السهل على أى مزور أن ينشر كتابا ألفه أحدهم فى بلد ونشره باسمه أن يأخذه إلى دار نشر أخرى فى دولة أخرى خاصة الدول التى لا تتكلم العربية كقبرص والتى لا يهمها سوى المكاسب ويقوم بنشره باسمه وبنقس العنوان أو حتى يغيره قطعا موضوع السرقات تمت مناقشته فى التراث وهم لم يكونوا يقصدون السرقة اللفظية وإنما كانوا يعنون غالبا الشرقة فى المعنى ومن ثم وجدت كاب كثيرة فى الموضوع خاصة فى سرقات الشعراء كأب الطيب وأبو تمام والبحترى وسواهم نعود إلى موصوعنا وهو النقل بالمعنى الجامعى وهو : نسبة القول إلى صاحبه وعند البحث فى كتاب الله نجد أن المنهج الإلهى ينسب الأقوال إلى أفراد بعينهم كما فى قوله تعالى عن نفسه: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً " ونسب القول لموسى(ص) فقال : " وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" ونسب القول لإبراهيم (ص)فقال : "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ " ونسب القول لزكريا(ص) فقال : "هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ " ونسب القول للملائكة فقال : "فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ" ونسب القول بعيسى(ص) فقال : " قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" ونسب القول إلى لوط(ص) فقال : "وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ" ونسب القول لامرأة العزيز فقال : " قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِين" ونسب القول لهارون(ص) فقال : "لَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي" ونسب القول للسامرى فقال : " قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَاسَامِرِيُّ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي " ونسب القول لفرعون فقال : "قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ" ونجد أقوالا أخرى نسبها الله إلى جماعات مثل :