<!-- BEGIN TEMPLATE: postbit_external --> ختم الله عز وجل هذه السورة المباركة بقوله:
﴿ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [يونس: 109]، أمَرَ الله سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وآله وسلم ومصطفاه - والأمة تَبَعٌ له - بما فيه نجاته من مضلَّات الفتن والشرور، وبما فيه ثباته على الإيمان والحق المبين.
﴿ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ ﴾ [يونس: 109]: واصبر حتى يحكم الله عز وجل بالنصر وقهر الأعداء، وإظهار الدين والفتح المبين، وهذا يدل على أن الصراع دائر بين الحق والباطل، بين الجماعة المؤمنة وبين المخالفين للحق المبين، وهم الكافرون بالله، التاركون لشريعة الله، فالمؤمن ثابت على الحق، متمسك بالوحي، صابر على مخالفة مَن خالفه من الناس، والمؤمن الذي يتعرض لأذى الناس لإيمانه ودينه، أو المؤمن الذي يُنال من عِرْضه وماله من أجل إسلامه، أو المؤمن الذي أُخِذَت أرضه وبُغِيَ عليه، ﴿ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [يونس: 109]، وسيرى من حكم الله العادل ومشيئته النافذة ما تقَرُّ به عينه، وما يفرح به قلبه، ويُذهِب الله عز وجل تعالى غَيظَ قلبه. :﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]، ثم اعلموا أن في قوله سبحانه: ﴿ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [يونس: 109]
ثلاثَ حقائق: الأولى[/b]: الاتباع للوحي: ويكون هذا الاتباع في جميع شؤون العبد؛ من الاعتقاد والعمل الصالح والتبليغ، على وجه الثبات والتجدد والاستمرار. الحقيقة الثانية:[/b] الصبر على ما يعتري الإنسان من مشاقِّ التبليغ وأذى مَن ضَلَّ؛ روى البخاري من حديث خباب بن الأرتِّ رضي الله تعالى عنه قال: ((شَكَوْنا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ، فَقُلْنا: ألَا تَسْتَنْصِرُ لنا؟ ألا تَدْعُو لَنا؟ فقالَ: قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ))؛ [البخاري].
أما الحقيقة الثالثة،[/b] فهي حُكْمُ الله تعالى، فإنه كائن لا محالة، سيقع حكمه، ويفرح المؤمنون بنصر الله: ﴿ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴾ [التين: 7، 8]، ﴿ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [يونس: 109]، عندما يحكم الله عز وجل بالنصر والظَّفَر في الدنيا، وعندما يحكم بين عباده في الآخرة من حكمه الجزائي: ﴿ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴾ [الشورى: 7]، ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس: 26]، والزيادة هي النظر إلى وجه الله، ﴿ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [يونس: 26]، جعلنا الله وإياكم من أهلها.
